للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

التي يعبر بها عن غير العاقل، قالوا: لأن أكثر ما في السموات والأرض من غير العقلاء، فلهذا قال: {وَمَا فِيهِنَّ}، وقيل: بل عبر بـ (ما)؛ لأنها تشمل الأعيان والأحوال فكأنه قال: وما فيهن من أعيان وأحوال، و (مَنْ): إنما يعبر بها في العاقل لتعيين الشخص نفسه، وهذه الفائدة لا تكاد تجدها عند كثير من النحويين، لكن ابن القيم رحمه الله في بدائع الفوائد أشار إليها، أن (مَنْ) للعاقل إذا قصدت التعيين، يعني: عينه، أما إذا قصد عموم الأعيان والأحوال فإنه يؤتى بـ (ما)، وأبين مثال لذلك قول الله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: ٣]، ولم يقل: "مَنْ".

لكن لو قال قائل لشخص: تزوج من شئت من بناتي فـ "من" هنا جاءت لأجل التعيين، وهذا معنًى لطيف.

وأما قوله تعالى: {فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} [النور: ٤٥] هذا من باب التغليب لأجل العطف.

وقوله: {وَمَا فِيهِنَّ} من المخلوقات العظيمة، واسمع إلى قول النبي: "أطتِ السماء وحُقَّ لها أن تَئِطَّ" (١) "أطت" يعني: صار لها صوت، كصرير الرحل عند ثقل الحمل، البعير إذا حملت عليه فإن رَحْلَه يكون له صوت يسمى: أطيطًا.


(١) رواه الترمذي، كتاب الزهد، باب في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا"، حديث رقم (٢٣١٢)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب الحزن والبكاء، حديث رقم (٤١٩٠)، وأحمد (٥/ ١٧٣) (٢١٥٥٥) عن أبي ذر.

<<  <  ج: ص:  >  >>