للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما لم يشأ لم يكن، قال بعض المتأخرين: وإذا قلت: إنه على ما يشاء قدير، فقد وافقت القدرية؛ لأنهم يقولون: إن الله لا يشاء أفعال العبد، وإذا كان لا يشاؤها لم يكن له قدرة عليها، فالجملة هذه أيضًا ترمي إلى قول مبتدع وهو قول القدرية، فإذا سمعت أحدًا يقول: إنه على ما يشاء قدير، قل له: وعلى ما لا يشاء قدير، وليس لك حق أن تقيد ما أطلقه الله عزّ وجل من الصفة، الله تعالى أطلقها فقال: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، فلا تقيد.

فإذا قال قائل: إذا قررتم هذا فكيف تجيبون عن قوله تعالى: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ} [الشورى: ٢٩]، قلنا: المشيئة هنا عائدة إلى الجمع، يعني: أنه إذا شاء جمعهم، فهو قدير عليه لا يعجز عنه، خلافًا لمن يقول: إنه لا يقدر على جمعهم وأنكروا البعث، فيكون التقييد بالمشيئة هنا للجمع لا للقدرة.

فإن قال قائل: ما تقولون في آخر رجل يدخل الجنة، فإذا قال الله له: هذا لك قال الله تعالى: "إني على ما أشاء قادر" (١)؟ نقول: نعم هنا المشيئة قيدت بفعلٍ معين، يعني: كأن الله يقول له: إني شئته فأنا قادر عليه مثل قوله: {وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ}.

والمهم أنه ليس لنا أن نقيد ما أطلقه الله عزّ وجل، بل


(١) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب آخر أهل النار خروجًا، حديث رقم (١٨٧) عن ابن مسعود.

<<  <  ج: ص:  >  >>