للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجواب عن ذلك أن نقول: سماهم أهل الكتاب لا إكرامًا لهم، ولكن إقامة للحجة عليهم؛ لأن أهل الكتاب هم الذين يجب عليهم أن يكونوا أول عامل به، كما قال تعالى في أول سورة البقرة: {وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ} [البقرة: ٤١].

إذًا: فالذين يطنطنون الآن ويريدون أن يقربوا بين الأديان ويقولون: إن الله سماهم أهل كتاب، زعمًا منهم أو إيهامًا منهم أن ذلك من باب التكريم لهم والرضا بما هم عليه، نقول: إن الله لم يخاطبهم بذلك تكريمًا لهم، وكيف يكون ذلك إكرامًا لهم؟ والله يقول: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (٦٠)} [المائدة: ٦٠]، لكنه ناداهم بهذا الوصف، إقامة للحجة عليهم، وأن تصرفهم أبعد ما يكون عن العقل، لأن أهل الكتاب يجب أن يكونوا أول عامل به.

الفائدة الثانية: رفع شأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك لقوله: {رَسُولُنَا}، فإن إضافة رسالته إلى الله لا شك أنها شرف، وكل ما يضاف إلى الله فهو شرف، حتى الجماد إذا أضيف إلى الله كان ذلك شرفًا له، قال تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ} [الحج: ٢٦].

الفائدة الثالثة: أن محمدًا رسول الله مرسل إلى أهل الكتاب لقوله: {قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا}، وهو كذلك، حتى أقسم النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه لا يسمع به يهوديٌّ ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جاء به إلا كان من أصحاب النار" (١)، فهو مرسل إليهم بالقرآن والسنة وإجماع المسلمين.


(١) تقدم ص ١٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>