فقتل أحدهما الآخر، فبحث القاتل في الأرض ثم دفن الغراب، ولكن ظاهر الآية خلاف ذلك؛ لأن الله يقول: بعث الله غرابًا، ولم يقل: غرابين، والظاهر أن هذا القاتل لقوة ما وقع في نفسه، كأنه ذهل عن هذا الأمر، فبعث الله هذا الغراب يبحث في الأرض، أي: يحرثها حتى يري هذا القاتل ماذا يصنع بأخيه؟
قوله:{لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ}{لِيُرِيَهُ} أي: ليجعله يرى بعينه {كَيْفَ يُوَارِي} كيف يغطي، {سَوْءَةَ أَخِيهِ} أي: عورته؛ لأن الميت كله عورة، ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يكفن الميت كله لا يخرج منه شيء، إلا من كان محرمًا من الرجال فإنه يجب أن يكشف رأسه، لقوله عليه الصلاة والسلام:"ولا تخمروا رأسه"(١)، قال الرجل:{يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ}"الويل": هو الثبور والتعب والإعياء، ويقال في كل حال يقع فيها الندم، وأصل {يَاوَيْلَتَا} يا ويلتي، لكن قلبت الياء ألفًا من أجل المد {يَاوَيْلَتَا} تمد عند الصياح، وهنا نادى الويل؛ كأنه يقول: يا ويلتا احضري فإني نادم.
وقوله:{أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ} الاستفهام هنا للتوبيخ، يعني: كيف أعجز أن أكون مثل هذا الغراب؛ لأن بني آدم أكرم من الحيوانات، فصرَّح بأنه عجز أن يساوي أو يماثل الغراب، {فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ}.
وقوله:{فَأُوَارِيَ} منصوبة هنا لأنها جواب الاستفهام، في قوله:{أَعَجَزْتُ}.
(١) رواه البخاري، كتاب الجنائز، باب الكفن في ثوبين، حديث رقم (١٢٠٦)، ومسلم، كتاب الحج، باب ما يفعل بالمحرم إذا مات، حديث رقم (١٢٠٦) عن ابن عباس.