ائتوا بها وافية كاملة من غير نقص، وقد بَيَّن الله تعالى الوعيد على من يستوفي العقود تامة ولا يوفيها تامة، في قوله تعالى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (١) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (٢) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣)} [المطففين: ١ - ٣] إذًا: (أوفوا) بمعنى: ائتوا بها كاملة، ومنه قوله تعالى:{وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا}[الإسراء: ٣٤]، {وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ}[الإسراء: ٣٥] وما أشبه ذلك.
و"العقود" جمع عقد: وهو ما أبرمه الإنسان مع غيره، وضد العقد الحل، تقول: عقدت الحبل وحللت الحبل، فالعقود هي ما أبرمها الإنسان مع غيره، وهي أنواع كثيرة: منها البيع والإجارة والرهن والوقف والنكاح وغير ذلك.
وقوله:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} هذا عام فأي عقد فإنه يجب الوفاء به، ولكن لا بد أن يقيد بما جاءت به الشريعة، وهو ألا يكون العقد محرمًا، فإن كان العقد محرمًا فإن النصوص تدل على عدم الوفاء به بل على تحريم الوفاء به، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط"(١).
قوله:{أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} أحلت: هذا فعل مبني لما لم يسمَّ فاعله، وفاعله معلوم ليس مجهولًا؛ لأن الفاعل هنا هو الله عزّ وجل، كما قال الله تبارك وتعالى:{وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ}[النحل: ١١٦] فالمُحِلُّ هنا هو الله عزّ وجل.
(١) رواه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا اشترط شروطًا في البيع لا تحل، حديث رقم (٢٠٦٠)، ومسلم، كتاب العتق، باب إنما الولاء لمن أعتق، حديث رقم (١٥٠٤) عن عائشة.