وينبني على هذه الفائدة أن الأعمال تتفاضل، بعضها أفضل من بعض، وهذا أمرٌ قررته الشريعة، فجنس الواجب أفضل من جنس التطوع، يعني الصلاة المفروضة أفضل من النافلة، وأيضًا صدقة الزكاة أفضل من صدقة التطوع، الصوم الواجب أفضل من النفل، والحج الواجب أفضل من النفل. هذا باعتبار الجنس، ويتفاضل أيضًا باعتبار نوعه.
كذلك أيضًا الجنس يتفاضل باعتبار الأجناس، فمثلًا الصلاة على وقتها أحب الأعمال إلى الله، كما سأل ابن مسعود رضي الله عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال:"الصلاة على وقتها"، قلت: ثم أي؟ قال:"بر الوالدين"، قلت: ثم أي؟ قال:"الجهاد في سبيل الله"(١). فالأعمال فيما بينها تتفاضل، والأجناس تتفاضل، فأنواع الجنس تتفاضل. ومناط معرفة الفاضل هو الكتاب والسنة.
وهنا مسألة: من هو الأفضل: رجل يفعل العبادة بانقياد وانشراح صدر وقبول، وآخر يفعلها بمشقة شديدة ويجاهد نفسه عليها؟ الأول: أفضل مقامًا وأعلى منزلة، والثاني: يؤجر على مشقة المجاهدة أكثر من ذلك، لكنه لا يمكن أن ينال درجة الأول ومقام الأول.
ويشبه هذا من بعض الوجوه، أن الرسول عليه الصلاة والسلام أخبر الصحابة "أن من ورائهم أيامًا الصبر للعامل فيهن
(١) رواه البخاري، كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل الصلاة لوقتها، حديث رقم (٥٠٤)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، حديث رقم (٨٥) عن ابن مسعود.