للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ملك السموات والأرض، فإنه يحكم بما شاء، ويفعل ما شاء، ولهذا قال: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ} في هذه الآية قَدَّم التعذيب على المغفرة، وفي آية أخرى قدم المغفرة على التعذيب، والمناسبة واضحة، لأن الكلام هنا عن الحدود والعقوبات، فناسب أن يُقدم التعذيب على المغفرة.

قوله: {يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} لا تظن أن الله إذا قال: يفعل ما يشاء، ويحكم ما يشاء، ويحكم ما يريد، لا تظن أن الأمر على غير حكمة، بل يعذب من يشاء إذا اقتضت الحكمة تعذيبه، ويغفر لمن يشاء إذا اقتضت الحكمة أن يغفر الله له، ولهذا قال الله عزّ وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠)} [الإنسان: ٣٠].

ثم ختم هذه الآية بقوله: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ومن قدرته عزّ وجل أنْ أمر بعقوبة الجناة على الوجه المذكور، وقد تقدم أن القدرة هي فعل الشيء بدون عجز، فالله تبارك وتعالى يفعل ما يشاء بدون عجز، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر: ٤٤]، فهو سبحانه وتعالى لا يعجزه شيء، القوة ضدها الضعف، قال الله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: ٥٤]، لكن القدرة ضدها العجز، والفرق بينهما أن القدرة لا تكون إلا من ذي إرادة، والقوة تكون من ذي الإرادة وغيره، فالإنسان يقال له قادر، ويقال له قوي، والجدار يقال له قوي، ولا يقال له قادر، لأن القدرة لا تكون إلا من ذي إرادة.

<<  <  ج: ص:  >  >>