للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذًا: المسألة الآن مسألة اشتباه وأنهم لم يريدوا حقيقة التحكيم وهذا هو الواقع؛ لأنه لما زنا منهم الزانيان، أتوا إلى الرسول عليه الصلاة والسلام يريدون أن يوافقهم فيما أحدثوه في عقوبة هذه الفاحشة، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - برجم الزانيين، ثم أنكروا ذلك وقالوا: هذا خلاف ما عندنا، ما الذي عندكم؟ قالوا: نحن عندنا أننا نسود وجوه الزانيين ونطوف بهما في الأسواق خزيًا وعارًا، فأخبرهم عبد الله بن سلام أو غيره بأن التوراة تنص على أن الزانيين يرجمان.

فقال: ائتوا بالتوراة، فأتوا بها، فجعل القارئ يقرأ ووضع يده على آية الرجم، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك -لأن عبد الله بن سلام من أحبار اليهود- فرفع يده فإذا فيها آية الرجم توافق ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم إني أول من أقام -أظنه قال- حكمك بعد أن أماتوه، أو من أحيا حكمك بعد أن أماتوه" (١).

فالله عزّ وجل يُعَجِّبُ الرسول عليه الصلاة والسلام، {وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}، يعني: بعد أن حَكَموك وحَكَمْتَ تولوا وأبوا حتى جيء بالتوراة فإذا هي مطابقة تمامًا لحكم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ}، المشار إليه: التحكيم.

قوله: {وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ} يعني: وما هؤلاء بالمؤمنين، وأتى بـ "أولاء" مقرونة بالكاف الدالة على بعد المشار إليه، وهذا


(١) رواه مسلم، كتاب الحدود، باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا، حديث رقم (١٧٠٠) عن البراء بن عازب.

<<  <  ج: ص:  >  >>