من اليهود، ولهذا قال العلماء: يحرم الاستفتاء طلبًا للرخصة، وقالوا: من تتبع الرخص فقد تزندق، وصفة تَتَبُّعِ الرخص أنه إذا أفتاك عالم ولم ترد فتواه ذهبت إلى عالم آخر ليفتيك بما يناسبك، ولا شك أن المستفتي إنما أراد اتباع الهوى دون الهدى؛ لأنه لما أفتي بما يرى هو أنه الحق ذهب إلى عالم آخر، وقلنا: يرى أنه الحق؛ لأنه لم يستفتِ هذا العالم إلا وهو يعتقد أن فتواه حق وشريعة، فلما لم يوافق هواه ذهب ليستفتي آخر، فصارت حاله تنادي بأنه لا يريد الهدى وإنما يريد الهوى.
نعم لو أن الإنسان استفتى عالمًا في مكان في بلدته، لا يرى عالمًا أحسن منه, لكن في نيته أنه لو حصل له أن يستفتي من هو أعلم لفعل، فهنا نقول: لا بأس أن يأخذ بقوله، وإذا ظفر بعالم أوثق منه نده فليستفته, ويكون هنا بمنزلة استعمال التراب بدلًا عن الماء عند العجز عنه؛ وبمنزلة أكل الميتة عند العجز عن أكل المذكاة، وعليه فيفرق بين شخصين سألا عالمًا ثم استفتيا غيره، أحدهما سأل هذا العالم؛ لأنه لا يرى في بلده من هو أعلم منه، وفي نيته أنه إذا ظفر بمن هو أوثق استفتاه، فاستفتاء هذا للعالم الثاني حكمه جائز، والثاني استفتى العالم الذي في بلده على أن فتواه هي الحق، لكنه تثاقلها، ثم استفتى عالمًا آخر لعله يجد رخصة، هذا لا يجوز، اثنان عملهما واحد لكن حكمهما مختلف.
الفائدة الثالثة: تناقض اليهود وذلك بطلبهم الحق مع أن أداة الحق عندهم، فقد حكموا الرسول عليه الصلاة والسلام مع أن التوراة فيها حكم الله، أي: فيها ما يعتقدون أنه حكم الله.