للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا} "من": اسم استفهام، لكن هذا الاستفهام بمعنى النفي، إذ إن معناه: لا أحسن من الله حكمًا، ولكن يأتي النفي بصيغة الاستفهام ليكون أبلغ، إذ إن النفي إذا جاء بصيغة الاستفهام فإنه أبلغ من النفي المجرد إذ إنه يتضمن النفي، ويكون مشربًا بالتحدي، كأن المتكلم يتحدى ويقول: أروني حكمًا أحسن من حكم الله.

لو قال قائل: مَنْ أحسن مِن الله حكمًا؟

الجواب: لا أحد أحسن من الله حكمًا؛ لأن حكمه جلَّ وعلا مبني على علم بما يصلح العباد، ومبني على رحمة بما ينفع العباد، لا يمكن أن يحكم على عباده تبارك وتعالى بشيء يكون ضررًا أو عاقبته ضررًا، أبدًا لا يمكن؛ لأننا نعلم أن حكمه صادر عن علم وحكمة ورحمة.

قوله: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا}؟

الجواب: لا أحد أحسن، لكن لمن؟ {لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} يوقنون بالله وباسمائه وصفاته وبما تقتضيه هذه الأسماء والصفات؛ هؤلاء لا يرون حكمًا أحسن من حكم الله، أما من عنده ضعف في اليقين، فإنه قد يرى أن حكم غير الله أحسن من حكم الله، ولهذا كان الخلفاء الراشدون، لا يتعدون حكم الله أبدًا، حتى إن الواحد منهم يخاطب الخليفة إذا زل عن حكم الله خطأً، خاطبه وأخبره بالحق.

لذلك نقول: إن تبيُّن حسن حكم الله إنما يكون للموقنين، أما ضعفاء اليقين فإنهم لا يرون أن حكم الله أحسن الأحكام، بل ربما يعتقدون أن حكم الله قد مضى عليه الدهر، واختلفت الأمة

<<  <  ج: ص:  >  >>