كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] ولهذا لو تاب المرتد قبلنا توبته ورفعنا عنه القتل، ولو تاب الزاني بعد وصوله إلى القاضي لا تنفعه التوبة، مع أن المرتد تنفعه التوبة حتَّى عند القاضي.
استثنى بعض العلماء من هذا مسائل:
أولًا: صاحب البدعة قالوا: المبتدع ولو تاب لا تقبل توبته، ولكن يقال: أين الدليل على خروجه من العمومات؟
قالوا: لأن مفسدته متعدية، فنقول في الجواب عن هذا: هذه المفسدة المتعدية يمكن إصلاحها بأن يقول هذا الذي ابتدع: إنه رجع عن بدعته وأن الصواب كذا وكذا، مثل ما جرى لأبي الحسن الأشعري رحمه الله، فأبو الحسن الأشعري كان في أولى أمره معتزليًّا تمامًا، معتزليًّا جلدًا لا يلين، وبقي على ذلك مدة طويلة من الزمن ثم تاب، وأعلن توبته في المسجد الجامع وخلع عمامته وقال: من كان يعرفني فهو يعرفني، ومن لا يعرفني فأنا فلان، ثم أنكر إنكارًا شديدًا على المعتزلة، هذه توبة، وربما يكون أجره على إنكار البدعة أعظم من عقوبته على هذه البدعة، مع أن العقوبة انمحت بالتوبة.
كذلك أيضًا: لا بد لتحقيق توبة المبتدع من أن يكتب ما يبطل بدعته، حتَّى يكون صادقًا في توبته.
فإن قال قائل: أرأيت لو أن الذين أخذوا ببدعته أَبوا أن يرجعوا برجوعه؛ فهل يأثم بإثم بقاء هؤلاء على البدعة؟
الجواب: لا يأثم؛ لأنه أدى ما يجب عليه من التوبة وبَيَّنَ الحق، وإذا أصر هؤلاء على باطلهم فهم على باطلهم.