فعلى كل حال نقول: إن الإنسان إذا قام بقلبه إرادة الدنيا لكن لا على أنها هي الباعث للعمل فلا حرج عليه، والإنسان يقرأ الأوراد، ليتحصن بها من شرور الإنس والجن، تجد الذي يقرأ الورد، قد يغيب عن باله أنه يريد أن يتقرب إلى الله بالتلاوة، وإنما يريد التحصن؛ لأن النفوس البشرية ضعيفة تحتاج إلى أمر مادي يساعدها على فعل الخيرات، ويدل لهذا الأصل أن الرسول عليه الصلاة والسلام في بعض المغازي يجعل سلب القتيل لمن قتله (١)، تشجيعًا له، فقول بعض الناس: إنه لا يجوز للإنسان أن يريد بعمل الآخرة شيئًا من الدنيا، هذا غير صحيح، بل قال الله:{مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ}[الشورى: ٢٠] يعني نعطيه في الدنيا والآخرة.
الفائدة الرابعة: أنه يجب على أهل الكتاب أن يقيموا القرآن، كما يجب أن يقيموا التوراة والإنجيل، لقوله:{وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ} وهو كذلك، ولهذا نقول لأهل الكتاب الذين يَذَعون أنهم مؤمنون بالله واليوم الآخر نقول: إنكم إن لم تؤمنوا بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، ما نفعكم ذلك الإيمان لأنكم لم تتموا إيمانكم.
الفائدة الخامسة: أن القرآن كلام الله لقوله: {وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ} وجه ذلك: أن القرآن صفة؛ لأنه كلام، والكلام لا بد له من متكلم، والصفة لا بد لها من موصوف، وإذا كان لا بد للقرآن من متكلم به، فالذي تكلم به هو الله عزّ وجل.
(١) رواه البخاري، كتاب فرض الخمس، باب من لم يخمس الأسلاب ومن قتل قتيلًا فله سلبه ... ، حديث رقم (٢٩٧٣)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب استحقاق القاتل سلب القتيل، حديث رقم (١٧٥١) عن أبي قتادة.