للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهنا الفعل بالنسبة للمكلف واحد، فلا فرق أن يتجه الإنسان يمينًا أو شمالًا.

قد يقول قائل: ما الفائدة من ذلك؟ نقول: الفائدة: لا يمكن أن يكون هذا النسخ إلا لسبب، فمثلًا: أيما أشرف الكعبة أو بيت المقدس؟ لا شك أن الكعبة أفضل، لكن لو فرضنا أنه لا فرق بينهما إطلاقًا، فإن فائدته امتحان المكلف واختباره، هل هو تابع لشريعة الله أو هو تابع للهوى؟ فيقول: لماذا ينسخ الله هذا إلى هذا وهما سواء، أنا سأفعل ما شئت، ففائدة النسخ إلى المماثل: اختبار المكلف هل يكون منقادًا تمامًا لشريعة الله أو هو متبع لهواه، وأما الحكمة من نسخ الأشد إلى الأخف واضحة جدًّا وهي: التخفيف على الأمة.

وإذا نسخ من أخف إلى أشد ففيه فائدتان:

الفائدة الأولى: زيادة الأجر؛ لأن العمل إذا شق على المكلف لا بفعل نفسه واختياره، فله أجر، يزداد أجره، ولينتبه للقيد، إذا شق على المكلف لا بفعله واختياره فهو أفضل، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها: "أجركِ على قدر نصبك" (١)، يعني: على قدر المشقة، أما ما كان بفعل المكلف واختياره فهو إلى الإثم أقرب منه إلى الأجر.

مثال الأول: إنسان قام يتوضأ في البر وليس عنده إلا ماء بارد، وليس عنده ما يسخن به، فتوضأ بالماء البارد، توجد مشقة أو لا؟ توجد مشقة، آخر قام يتوضأ وعنده ماء ساخن وماء بارد،


(١) رواه مسلم، كتاب الحج، باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران .. ، حديث رقم (١٢١١) عن عائشة.

<<  <  ج: ص:  >  >>