للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا لا شك فيه ولا أحد ينكره إلا السفيه، كلٌّ يعلم أن من غمس في البحر فإنه يغرق، وأن من ألقي في النار فإنه يحترق، لكن أنكر قوم الأسباب وغلا قوم في إثباتها، فأما الذين أنكروا الأسباب فزعموا أنهم بإنكارهم ينزهون الله تعالى عن الشريك فغلوا في التنزيه، وأما الذين أثبتوا الأسباب على أنها الفاعلة فهؤلاء أشركوا مع الله.

أما أهل الحق فقالوا: إن الأسباب لها تأثير ولكن الذي جعل لها تأثيرًا هو الله، فتأثير الأسباب ليس بنفسها، ولكن بما أودع الله تعالى فيها من القوى المؤثرة، ويدل لهذا: أنه توجد أسباب موجبة للشيء بإيجاب الله إياه ومع ذلك قد يرتفع هذا الإيجاب، من ذلك: النار محرقة، ولما ألقي فيها إبراهيم قال الله لها: {كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [الأنبياء: ٦٩]، فكانت بردًا وسلامًا، فانتفى الإحراق وانتفت الحرارة، فصارت بردًا وسلامًا، لو كانت الأسباب مؤثرة بنفسها، لاحترق إبراهيم عليه الصلاة والسلام، كذلك الرجل الذي يقطعه الدجال جزلتين ثم يقول له: قم فيقوم (١)، نحن نعلم أن الدجال لم يكن هو السبب في إحيائه بل ذلك إلى الله عزّ وجل، ولهذا إذا أراد قتله في الثالثة لم يستطع أن يقتله فلا يسلطه الله عليه بعد ذلك.

إذًا نقول: الأسباب لها تأثير ولكن لا بنفسها بل بما أودع الله تعالى فيها من القوى المؤثرة، والأدلة على هذا شرعًا وعقلًا وواقعًا لا تحصى.


(١) رواه مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، حديث رقم (٢٩٣٧) عن النواس بن سمعان.

<<  <  ج: ص:  >  >>