وقوله:{الْبَيْتَ الْحَرَامَ} أي: ذا الحرمة، وحرمة مكة أمر معروف.
قوله:{قِيَامًا لِلنَّاسِ} وفي قراءة: {قِيَامًا لِلنَّاسِ}، {قِيَامًا لِلنَّاسِ} أي: تقوم به مصالح دينهم ومصالح دنياهم، وهذا كقوله تعالى:{وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا}[النساء: ٥]، أي: تقوم بها مصالح الدين والدنيا.
إذًا: الكعبة جعلها الله تعالى قيامًا للناس، تقوم بها مصالح دينهم ودنياهم، أما مصالح الدين فظاهرة، حج وعمرة بما فيهما من الأنساك، وأما مصالح الدنيا فقد قال الله تعالى مشيرًا إليها:{لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ}[الحج: ٢٨]، ثم إن هذه الكعبة يجبى إليها ثمرات كل شيء رزقًا من عند الله عزّ وجل.
الثاني:{وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ} أي: وجعل الشهر الحرام قيامًا للناس، وهل المراد به الجنس أو شهر واحد؟ المراد به: الجنس، فيشمل الأشهر الأربعة، وهي: ذو القَعْدَة، وذو الحِجة، والمُحرَّم، ورجب، وإنما جعل الله الأشهر الحرم قيامًا للناس؛ لأنهم يأمنون فيها، حيث إن القتال فيها محرم، حتى في الجاهلية لا يمكن أن يكون قتالٌ في هذه الأشهر الأربعة، أما الثلاثة الأولى؛ فلأنها أشهر الحج، يعني الأشهر التي يسافر الناس فيها إلى مكة ويرجعون منها، يسافرون في ذي القعدة، ويرجعون في المحرم، ومن المعلوم أن المحرم ليس من أشهر الحج لكن بدل عنه شوال، لكنه من حرمات الحج؛ لأن الناس يسافرون في شهر ذي القعدة للحج ويرجعون في شهر محرم، ولهذا كانوا في الجاهلية لا يمكن أن يعتدي أحد على أحد في هذه الأشهر أبدًا، حتى لو وجد قاتل أبيه لم يقتله.