أحد الاحتمالين فالواجب الأخذ بالراجح، ولو أننا جعلنا لكل نص يحتمل وجهين جعلنا دلالته ساقطة لضاعت علينا أحكام كثيرة وأدلة كثيرة.
فنقول: أيهما أرجح أن يراد بالطاهر المؤمن أو أن يراد بالطاهر المتوضئ؟
الثاني أرجح؛ لأننا لم نعهد أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يعبر عن المؤمن بالطاهر، لأن وصف المؤمن أحب إلي النفوس وأقوي في الثناء من وصف الطاهر.
لكن قد يقول قائل: هذا الظاهر الذي قلتم يعارضه أن الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر ذلك في الكتاب الذي كتبه لعمرو بن حزم وقد بعثه إلي اليمن، فهذه قرينة علي أن المراد بالطاهر المؤمن؛ لأنه متوجه إلي قوم كفار يدعوهم إلي الإسلام، وهذا لا شك أنه مؤثر في الاستدلال، لكن كون الرسول عليه الصلاة والسلام لم يستعمل قط كلمة طاهر تعبيرًا عن المؤمن، يضعف هذا الوجه.
فالذي يظهر أن مس المصحف لا يجوز إلا بوضوء، هذا هو الظاهر.
لو قال قائل: كيف الجواب علي حديث: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله علي كل أحيانه"(١) والقرآن داخل في عموم الذكر، فلا يشترط لقراءة القرآن الوضوء؟
(١) رواه البخاري، كتاب الأذان، باب هل يتبع المؤذن فاه هاهنا وهاهنا وهل يلتفت في الأذان، ومسلم، كتاب الحيض، باب ذكر الله تعالي في حال الجنابة وغيرها، حديث رقم (٣٧٣) عن عائشة رضي الله عنها.