النعمة الأخيرة، ذكرها في قوله:{وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ}{وَإِذْ كَفَفْتُ} أي: صددت، {عَنْكَ} لأنهم أرادوا قتله، وقصة الصلب مشهورة، فإنهم اجتمعوا على قتله ثم انتدب بعضهم لذلك فألقى الله الشبه على واحدٍ منهم ورفع عيسى عليه الصلاة والسلام، وهذا الذي ألقي عليه الشبه يصيح: لست عيسى، ولكنهم كذبوه قالوا: أنت عيسى، فقتلوه وصلبوه، فادعى بنو إسرائيل أنهم قتلوا عيسى وصلبوه، ولكن الله كذبهم، فقال تعالى:{وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا}[النساء: ١٥٧] , بل هو حي باقٍ وسينزل في آخر الزمان
وقوله:{إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} حين جئتهم بالبينات أرادوا قتلك، بعد أن ظهر الأمر وتبين وأتيت بآيات بينة، {فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} أي: قالوا: إن عيسى سحرنا، كيف يبرئ الأكمه؟ كيف يخلق شيئًا من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طائرًا؟ ما هذا إلا سحر، وكذبوه، وهكذا المكذبون للرسل كلهم يقولون: إن الرسل سحرة؛ لأن الرسل تأتي بآيات لا يستطيعها البشر، فيموهون على الأعمى ويقولون: إنهم سحروه، قال الله تعالى: {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ (٥٢)} [الذاريات: ٥٢] , وهذه الآية عامة فكل الرسل قيل لهم هذا:{سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ}.
وقوله:{إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} أي: بَيِّنٌ واضح؛ لأن "أبان" تستعمل متعدية ولازمة فيقال: أبان الفجرُ، أي: طلع، ويقال: أبان الأمرَ، أي: وضحه، وهي على حسب السياق، فتارة تكون بمعنى: أبان، وتارة تكون بمعنى: بأن، وهنا مأخوذة من بأن، أي: هذا سحر بَيِّنٌ ظاهر.