للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفائدة الحادية عشرة: هذه الآية العظيمة التي أعطاها الله تعالى عيسى وهي: أنه يكلم الناس في المهد وكهلًا على السواء، أي: أنه يتكلم بكلام رصين بليغ عجيب مع أنه في المهد، وعادة لا يتكلم الإنسان في المهد إنما ينبغ نبغًا لا يفهم، لكن هذا من آيات الله عزّ وجل، كما أن أصل عيسى من آيات الله، وسبق ما ذكره الله تعالى لنا من كلام عيسى في المهد، لما قال قوم مريم لها: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم: ٢٨]، فأشارت إليه فقال: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (٣٠) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (٣١) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (٣٢) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (٣٣)} [مريم: ٣٠ - ٣٣]، كلام عجيب بليغ، لكن الله على كل شيء قدير.

الفائدة الثانية عشرة: التنصيص على النعمة بالعلم والشرع والحكمة، وأنها أخص من مطلق النعمة؛ لأن مطلق النعمة سبق في قوله تعالى: {اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ} لكن العلم خصه فقال: {وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ}، وعلى هذا فيجب على طالب العلم أن يشكر الله تعالى على نعمته عليه، حيث خصه بالعلم الذي حَرَمَهُ كثيرًا من الناس، وإذا من الله عليه بالعبادة والدعوة إلى الله صار نعمة فوق نعمة، فكم من أناس ضلوا عن سواء السبيل، قال الله عزّ وجل: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام: ١١٦]، والإنسان إذا شعر بنعمة الله عليه بالعلم والعبادة والدعوة فإنه يزداد فرحًا وسرورًا ومثابرة وصبرًا على ما هو عليه من طلب العلم وازدياد العبادة وقوة الدعوة إلى الله عزّ وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>