للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما الأشاعرة: فوافقوا أهل السنة في جملة مسائل الغيبيات، إلا أنهم صرحوا في مسألة الرؤية في الآخرة، بأن الله تعالى يُرى لكن لا إلى جهة؛ لأن من أصول الأشاعرة، نفي الجهة عن الله تعالى، فهذا إمام الحرمين الجويني يُصرح بأن إثبات الرؤية، لا يستلزم الجهة، فالله تعالى يرانا ويبصرنا، وليس هو في جهة من المرئي (١)، مما ألَّب عليهم المعتزلة، وأوقعهم في التناقض، لأن من لوازم الرؤية، أن يكون الرائي في جهة من المرئي (٢). فالأشاعرة وافقوا أهل السنة في الإيمان بأحوال البرزخ، وأمور الآخرة من: الحشر والنشر والميزان، والصراط، والشفاعة، والجنة والنار؛ لأنها من الأمور الممكنة التي أقر بها الصادق - صلى الله عليه وسلم -، وأيدتها النصوص الشرعية (٣).

وأما غلاة الصوفية كابن عربي: فإنه ادعى أن أصحاب النار يتنعمون فيها كما يتنعم أهل الجنة في الجنة، وأنه يسمى عذابا من عذوبة طعمه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن هذا المذهب: " وهو مما يُعلم بالاضطرار فساده من دين الإسلام " (٤).

فهذه صور من أوجه انحراف الفطرة السليمة، رغم وفرة الشواهد والنصوص التي لو تأملها المتأمل، لانقاد إلى الحقيقة، وعرف الجواب عن الأسئلة التي أشغلت أذهان البعض، لم أتيت؟ وإلى أين سأذهب؟.

فلو تفكر صاحب الهذيان الذي يقول في طلاسمه: (لست أدري) ... لاهتدى، ولو جلس مع نفسه في لحظة صفاء وتأمل لارتضى، ولكنه قال:

جئت، لا أعلم من أين، ولكنّي أتيت ... ولقد أبصرت قدّامي طريقا فمشيت

وسأبقى ماشيا إن شئت هذا أم أبيت ... كيف جئت؟ كيف طريقي؟ لست أدري!


(١) أحمد عبداللطيف: منهج إمام الحرمين في دراسة العقيدة: ص (٢٧٧).
(٢) أحمد عبداللطيف: شرح الرسالة التدمرية ص (٢٢٧).
(٣) الأشعري: الإبانة: ص (٤٩)، الشهرستاني: الملل والنحل، (١/ ١٠٢)، الآمدي: غاية المرام ... المجلس الأعلى للشئون الاسلامية - القاهرة ت: حسن محمود (١/ ٣٠١)، الأيجي: المواقف، ... (٣/ ٥٢٤)، الجهني: الموسوعة الميسرة (١/ ٩٠).
(٤) ابن تيمية: الصفدية، (١/ ٢٤٥)، ابن تيمية: مجموع الفتاوى، (٢/ ٢٤٢)، الأشعري: مقالات الإسلاميين، ص (٣٥٥ - ٣٩٥).

<<  <   >  >>