للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنك لتعجب مما تجده من فقر روحي، وخواء إيماني، في جانب ما تعيشه الحضارة الغربية والشرقية من إنجازات مادية تبهر العقول، إلا أنهم كما قال تعالى: {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ (٧)} [الروم:٧] ومع هذا الخواء الإيماني، أصبحوا لا يقيمون لحياتهم وزنا، فهم يعيشون في تيه، ليس لهم هم إلا قضاء شهوة، أو كسب ملذة، وربما تخلص أحدهم من حياته، وهذا منتهى الضياع.

فحين تغيب عنهم صورة الدار الآخرة، فلا يدرون ما الهدف من وجودهم؟ ولا الغاية من خلقهم؟، فلن يتورعوا عن حرام، ولن يبالوا بنظام وحينها يفشو الظلم والاعتداء.

" ومن هنا اضطر كثير ممن لا يُؤمن بالدين، ولا بالآخرة كواقع ديني، إلى أن يصرحوا بأنه لا شيء غير عقيدة الآخرة، تصلح لمراقبة الإنسان وإخضاعه لسلوك طريق الحق، والعدل والإنصاف في جميع الظروف، مثل (كانت) و (فولتير) وغيرهما " (١).

فلو تفكر وتأمل من انحرفت فطرته، واجتالتها الشياطين، لوجد لأسئلته جوابا، ولاضطرابه وحيرته طريقا عدلا صوابا.

ولو حرك عقله السليم، ونظر في هذا الكون العظيم؛ لاهتدى هذا العقل واقتضى وجود يوم آخر، يحاسب فيه المحسن والمسيء، ويُميز فيه بين الظالم والمظلوم.

إن هذه الحياة الدنيا بما فيها من السعادة والألم، والشقاء والندم، والصحة والسقم، والوجود والعدم، والسرور والحزن والهم، مما كتبه الله على بني أدم لهي من أدل الشواهد، وأعلى الدلائل - لمن كان له عقل - على وجود حياة أخرى، فيها الخير والعدل، والكمال والفضل.

وقد ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب، أن من المسائل التي خالف فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهل الجاهلية، تكذيبهم ببعض ما أخبرت به الرسل - عليهم الصلاة والسلام - عن اليوم الآخر.


(١) عبدالله نعمة: الأدلة الجلية في شرح الفصول النصيرية، ص (١٩٣).

<<  <   >  >>