للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلما جاء المجادل المشرك المعاند المكذب، سرد له القرآن جملة أدلة المعاد، فذكّره مبدأ خلقه، ليدله به على النشأة الثانية، فقال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [يس: ٧٧ - ٧٨] فهذا الجاحد لو ذكر خلقه لما ضرب المثل، فأجيب عن سؤاله حين سأل متعنتاً {قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:٧٨ - ٧٩] فهذا جواب ساطع، واستدلال قاطع على تكبره وتكذيبه، ثم أكد هذا المعنى بالإخبار بعموم علمه لجميع الخلق.

ثم أرشد عباده إلى دليل واضح جلي، متضمن للجواب عن شبه المنكرين بألطف الوجوه وأبينها وأقربها إلى العقل فقال: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (٨٠)} [يس:٨٠] فالذي أخرج النار من ... الشجرة الخضراء، قادر على إخراج الأموات من قبورهم.

ثم ذكر ما هو أوضح للعقول من كل دليل، وهو خلق السموات والأرض مع عظمها وسعتها، وأنه لا نسبة للخلق الضعيف إليهما، فمن لم تعجز قدرته وعلمه عن هذا الخلق العظيم الذي هو أكبر من خلق الناس، كيف تعجز عن إحيائهم بعد موتهم!

ثم قرر هذا المعنى بذكر وصفين من أوصافه المستلزمة لما أخبر به فقال: {بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (٨١)} (بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ) فكونه خلاقاً عليماً يقتضى أن يخلق ما يشاء، ولا يعجزه ما أراده من الخلق.

ثم قرر هذا المعنى بأن عموم إرادته وكمالها، لا يقصر عنه و، ولا عن شيء أبداً، فقال: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢)} [يس:٨٢] فلا يمكنه الاستعصاء عليه، ولا يتعذر عليه، بل يأتي طائعاً منقاداً لمشيئته وإرادته.

<<  <   >  >>