للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(ج) ... أنك إذا فكرت في الأكل والشرب واللباس والجماع والراحة وسائر ما يستلذ به، رأيته يدفع بها ما قابله من الآلام والبليات، أفلا تراك تدفع بالأكل ألم الجوع، وبالشرب ألم العطش، وباللباس ألم الجحر والبرد، وكذا سائرها، ومن هنا قال بعض العقلاء: أين لذاتها لنا، هي دفع الآلام لا غير فأما اللذات الحقيقية فلها دار أخرى، ومحل آخر غير هذه، فوجود هذه الآلام واللذات الممتزجة المختلطة من الأدلة على المعاد، وأن الحكمة التي اقتضت ذلك هي أولى باقتضاء دارين، دار خالصة للذات لا يشوبها ألم ما ودار خالصة للآلام لا يشوبها لذة ما، والدار الأول الجنة والدار الثانية النار (١).

(د) أن خلق آدم - عليه السلام - من تراب، من أبين الأدلة على المعاد، وكذا قصة يحيى وعيسى عليهما السلام، فإنه تعالى استدل على إمكانهما، بعين ما استدل به على جواز الحشر، حيث قال: {وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا (٩)} [مريم:٩]. ومن تأمل طريقة القرآن الكريم في إثبات المعاد واليوم الآخر، وجدها مغنية، كافية شافية، موصلة إلى المطلوب، متضمنة للجواب عن الشبه العارضة لكثير من الناس.

فالله سبحانه وتعالى يضرب الأمثال المعقولة التي تدل على إمكان المعاد تارة ووقوعه تارة أخرى، فيذكر أدلة القدرة الدالة إلى إمكان المعاد، وأدلة الحكمة المستلزمة لوقوعه (٢).

وقد أشارت آيات سورة ياسين مجتمعة على أدلة البعث وإمكانه (٣).


(١) ابن القيم: مفتاح دار السعادة، دار الكتب العلمية، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها، (١/ ٢٧٥).
(٢) الرازي: مفاتيح الغيب (٢/ ٣٥٦)، آمنة نصير: الشيخ محمد بن عبد الوهاب ومنهجه في مباحث العقيدة، ص (٤٤٤).
(٣) ابن القيم: إعلام الموقعين، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤١١ هـ (١/ ١٠٧ - ١١٠ بتصرف).

<<  <   >  >>