٤ - وهذه الرسالة مع كونها جمعت غالب مسائل الاعتقاد على المنهج السلفي، وشملت مسائل أصول الدين، والمسائل التي وقع فيها النزاع بين أهل السنة ومن خالفهم في أصول المعتقد، إلا أن المصنف تحرز في اختيار الألفاظ الشرعية المنيفة، فلم يجاوز نصوص الشرع المطهر، خلافًا لما يذكره في كتبه الأخرى التي يخاطب فيها الطوائف بألفاظهم ولغاتهم الكلامية الفلسفية، وهذا مما أعطى تميزًا خاصًا لهذه الرسالة السلفية بحق.
فهذه النبذ التي سطرتها يراع شيخ الإسلام، تُعد جامعة من جوامع التأصيل العلمي السلفي في العقائد، ينهل منها كل منهوم يبحث عن منهج السلف في المعتقد.
وهذا لا يدل على عدم وجود غير هذه الرسالة من رسائل علماء السلف التي تبين صفاء المعتقد الحق، ولكن لما كان الحديث منصبا على ذكر ميزات هذه العقيدة، بينت أهم المواصفات التي لأجلها اعتلت القمة، فأصبح العلماء ينهلون من معينها، ويؤصلون طلاب العلم على معرفة مقاصدها، وتعلم معانيها.
وهذا يدل على براعةٍ في التصنيف، وتميّزٍ في التأليف عند شيخ الإسلام ابن تيمية.
فشيخ الإسلام ابن تيمية جدير بأن يوصف بما وصف به الأولون بأنه:" كُنَيْفٌ مُلِيء عِلمًا "، أي: وعاء، وهذا الوصف لشيخ الإسلام قد شهد به الصديق والعدو، والقريب والبعيد، وليس منبعه الغلو فيه، وإنما هي إشادة منا لذكر فضل علماء أهل السنة والجماعة، وبيان ما لهم من المآثر الجليلة، والميزات العظيمة لخدمة دين الله وشرعه، وهذا محض فضل من الله تعالى يؤتيه من يشاء من عباده، والله ذو الفضل العظيم.
وفي هذا المقام يُقال: إن هذه العقيدة جمعت بين أصالة المنهج، وقوة المأخذ، وسلامة المنبع، مع اختصار في الألفاظ لطيف، مع ما حوته من سيل جارف من الأدلة منيف. فجمعت مع قلة اللفظ، جودة المبنى، وعمق المعنى، وعرض لقضايا المعتقد بأسلوب سلس فضيل، وتسلسل منطقي جميل.
ولذا أثنى على هذه الرسالة جملة من أهل العلم، فبينوا جمال صياغتها، وقوة عبارتها، وروعة مبناها، ودقة محتواها، مع سهولة العبارة، في اختصار يغني عن الإطالة.