للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - الغفلة والانشغال عن الدار الآخرة، فحين كانت الدنيا بحلاوتها وخضرتها وجمالها سببا في تشبث النفوس بها، وتعلق القلوب بما فيها ... المؤدي إلى نسيان الآخرة أو التغافل عنها، أكثر القرآن الكريم من ذكر أوصاف الآخرة بما فيها من نعيم وجحيم، لتكون حصناً منيعاً، وسدا مشيداً، يقف أمام شهوة النفس البشرية، ليمنعها من الوقوع في ملهيات الدنيا والسقوط التام في شهواتها، ومن هنا نفهم مدى العلاقة في الربط بين المعصية في القرآن وبين إنكار اليوم الآخر أو التغافل عنه.

وقد أظهرت الآيات الكريمات التوازن الذي يجب أن يكون عليه المسلم في حياته، فحين جاءت محذرة من الانخراط التام في الدنيا، لم تغفل حاجة النفس البشرية والفطرية للتعامل الدنيوي، فجاء قوله تعالى: {وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [القصص: ٧٧].

وحين يكون الركون إلى الدنيا سبباً للتثاقل عن أمر الله تعالى، يكون هذا الركون مذموماً، فتأتي الآيات الكريمات بذمه والتحذير منه، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (٣٨)} [التوبة:٣٨].

ولذلك تأتي الآيات الشريفات لتؤكد "على أن هذه الحياة إنما جعلت لهدف أعلى وغاية سامية، فلولا أن هناك يوماً يجازى في المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته، لما كان هناك فرق بين عمل الخير وعمل الشر، ولا كانت هناك فضائل ولا رذائل، فالحياة فوضى، والمصير مجهول، ولا وازع نفسي، ولا ضمير حي" (١).

ومن هنا " جاءت الأغلبية العظمى من آيات القرآن الكريم وسوره، تؤكد طلب الإيمان بالبعث، والعمل والاستعداد له، وتستأصل شأفة الشبه التي تقوم في سبيل تحققه وصدقه ووقوعه" (٢).


(١) غالب عواجي: الحياة الآخرة، دار لينة - مصر، ط ١ ١٤١٧ هـ (١/ ٧٧).
(٢) ٤ الغزالي عيد: ثمرات الإيمان بالله واليوم الآخر: مقال منشور في مجلد البحوث الإسلامية: عدد ٨ تاريخ ١٠٣ هـ.

<<  <   >  >>