للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وها هو القرآن الكريم يحكي استبعادهم في صورة يأسهم منه، فيقول سبحانه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (١٣)} [الممتحنة:١٣]، قال العلامة السمعاني:" { ... قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ} أي: يئسوا من البعث بعد الموت، وهذا في المشركين ظاهر ... لأنهم كانوا ينكرون البعث، وقد أخبر الله تعالى عنهم أنهم قالوا: {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ} " (١).

وقال جل وعلا في سورة مريم [٦٦]: {وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (٦٦)} وهذا القول خرج من بعض المشركين على وجه الإنكار والاستبعاد، ثم إن الله تعالى أقام الدلالة على صحة البعث بقوله سبحانه: ... {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا (٦٧)} [مريم:٦٧]، أفلا يعيده وقد صار شيئاً (٢)، قال بعض العلماء: لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار لما قدروا عليها، إذ لا شك أن الإعادة أهون من الإيجاد أولاً (٣).

فقضية البعث والمعاد لاقت إنكاراً شديداً من قِبل المشركين، ولذا كان موضوع البعث أحد الموضوعات التي تندروا بها وسخروا منها، وكانوا يقولون: {إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ (٣٥) فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٦)} [الدخان ٣٥ - ٣٦].

ومن أنكر البعث على ما ذكره الأخباريون، قوم من قريش كانوا زنادقة أنكروا الآخرة والربوبية، أخذوا زندقتهم هذه من الحيرة (٤).


(١) السمعاني: تفسير القرآن، دار الوطن - الرياض، ط ١ ١٤١٨ هـ (٥/ ٤٢٣)
(٢) ابن كثير: تفسير القرآن العظيم ١٤٢٠ هـ، ت: سامي سلامة (٥/ ٢٥١)
(٣) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (٢١/ ٥٥٦)
(٤) جواد علي: المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام دار الساقي، ط ٤ ١٤٢٢ هـ (١١/ ١٢٧).

<<  <   >  >>