للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعد أن ذكر شيخ الإسلام بعض الدلالات على نعيم الجنة، من مثل قوله جل وعلا: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٧)} [السجدة:١٧]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه تعالى: {أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ} (١) ... قال الشيخ:" وهذا فيه رد على اليهود والنصارى والصابئين من المتفلسفة وغيرهم، فإنهم ينكرون أن يكون في ا لجنة، أكل وشرب ولباس وانكاح ويمنعون وجود ما أخبر به القرآن" (٢).

ومن دلالة العقل: أن الله تعالى خلق جواهرنا وطباعنا، تلتذ بالمأكل والمشرب، والروائح، والملابس والأصوات الموافقة لجوهرنا، والوطء وقد علمنا، النفس هي الملتذة بذلك، وأن هذه الحواس الجسدية هي الموصلة لهذه الملاذ إلى النفس، فهذه طبيعة جواهر أنفسنا التي لا سبيل في وجودها دونها، فإذا جمع الله عز وجل يوم القيامة في دار الجزاء بين أجسادنا بعد تصفيتها من كل كدر وبين أنفسنا عادت الطبيعة كما كانت، فجوزيت هنالك ونعمت بملاذها وبما تستدعي طباعها التي لم توجد قط إلا لذلك، إلا أن الطعام غير معان بتار، ولا ذو آفات، ولا مستحيل كما أخبرنا تعالى: {لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (١٩)} [الواقعة:١٩] (٣).

فظهر بما ذكر أن ما انتحلوه من إنكار النعيم والعذاب المحسوس باطل بشهادة العقول، وبنصوص كلام الأنبياء المنقول (٤).


(١) أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق، باب ما جاء في صفة الجنة وأنها مخلوقة ح (٣٢٤٤).
(٢) ابن تيمية: مجموع الفتاوى (١٣/ ٢٧٩)، محمود غريب: سورة الواقعة ومنهجها في العقائد، ص (٨٨)
(٣) الخرزجي: مقام هامات الصلبان، حققه د. محمد شامة، باسم بين الإسلام والمسيحية، (٢٨٠)، ابن حزم: الأصول والفروع ص (٧٨).
(٤) القرطبي: الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص (٣٧).

<<  <   >  >>