للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذا يقال: إن العقل يدل على جوازه، إذ ليس في ذلك إلا أن الذي خلقنا أول مرة، ومكننا أن نتنعم نعيماً محسوساً، ونتأمل ألماً محسوساً قادر على أن يعيدنا بعد أن يغنينا كما بدأنا، فإن الإعادة إنما هي خلق ثان، ومن قدر على الخلق الأول، قدر على الخلق الثاني، وهذا معلوم بنفسه (١).

والنصوص الواردة في الأناجيل تدل على النعيم الحسي في الآخرة، فليس المتعة في الآخرة، فليس المتعة في الآخرة تكون برؤية الله فقط، بل بكل أنواع النعيم الحسية كذلك، فهذا المسيح يقول لتلاميذه في العشاء الأخير بعد أن أخذ الكأس وشكر، وأعطاهم فشربوا مهنا كلهم، وقال لهم: الحق أني أقول لكم إني لا أشرب بعد من نتاج الكرمة إلى ذلك اليوم، حينما أشربه جديداً في ملكوت الله (٢). وقال المسيح: إن في الآخرة منازل كثيرة، وإلا فإني قد قلت لكم: أنا أمضي لأعد لكم مكاناً (٣).

وهذا هو القول الصحيح الذي دلت عليه الدلائل الشرعية والعقلية، أن النعيم يكون في الآخرة روحيا وحسيا، وكذا الشقاء يكون حسيا وروحانيا " قال الإمام الأوزاعي: واعلم أنا بيّنا في هذا الكتاب أنواع السعادات والشقاوات الروحانية، إلا أنا مع ذلك نثبت السعادات والشقاوات الجسمانية، ونعترف بأن الله يجعل أهل الجنة، بحيث يأكلون ويشربون وبالجواري يتمتعون" (٤).


(١) القرطبي: الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص (٤٣٢).
(٢) إنجيل مرقس: ١٤: ٢٣ - ٢٥
(٣) إنجيل يوحنا: ١٤: ٢، انظر لواء أحمد: الإسلام والأديان الأخرى ص (٥٠)
(٤) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (١٦/ ٢٥).

<<  <   >  >>