للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما اللباس: فلا يتمزق ولا يفنى، وفي لباس بني إسرائيل في المفاز، دليل على بطلان ما يخيل هذا السائل، فالذي يبقي الثياب إلى مدة، قادر على أن يبقيها أبد الآبدين (١).

واستدل المنكرون لنعيم الجنة الحسي بنص من إنجيل متى، يقول فيه المسيح: لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء، وقد ورد أيضاً في إنجيل مرقس ولوقا (٢).

وهذا يرد عليه من جهتين (٣):

الأولى: أنه يخالف ما ورد في إنجيل متى (١٩/ ٢٩): وكل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أمّا أ, أو امرأة أو أولاداً من أجل اسمي يأخذ مائة ضعف، ويرث الحياة الأبدية.

وبالجمع بين النصين، يظهر المراد، فقوله في الإنجيل: ومن ترك زوجة من أجلي في الدنيا فإنه يعطى مائة ضعف، ويرث الحياة الدائمة، كان هو السبب في تشمير كثير من أتباع المسيح في طلب هذا التضعيف، فترهبوا وانقطعوا عن النساء والشواغل.

الثانية: أن النص المنسوب إلى المسيح ليس فيه سوى نفي الزواج، وليس فيه نفي لبقية الملذات من الطعام والشراب واللباس وغيرها، وقد ثبت في نصوص الأناجيل إثبات الطعام والشراب في الآخرة.

ويمكن أن يقال عما ورد في الإنجيل من نفي التزوج بالنساء في الجنان، من أنه لا يلزم منه نفي التنعم بهم في الجنان، إذ يحتمل أن يراد به أنهم لا يتزوجون الزواج المعروف المألوف، من قاعدة النكاح والزواج الدنيوي، وهو تقدم الخطبة وبذل الصداق والعقد والشروط وغير ذلك مما فيه حرج وكلفة على الناكح، بل يمنحون ذلك ويتملكونه ويرثونه وراثة وتملكاً (٤).


(١) القرطبي: الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام، ص (٤٣٢).
(٢) إنجيل متى: ٢٢/ ٢٢ - ٣٠، إنجيل مرقص: ١٢/ ١٨ - ٢٥، إنجيل لوقا: ٢٠/ ٢٧ - ٣٥.
(٣) صالح الجعفري: تخجيل من حرف التوراة والإنجيل (١/ ٢١٧)، الخلف: دراسات في الأديان ص (٣٣٥).
(٤) صالح الجعفري: تخجيل من حرف التوراة والإنجيل: (١/ ٢١٧)

<<  <   >  >>