للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإذا كان أعلم الناس بمذاهب الفلاسفة ومقالاتهم، وهو ممن أشقى حياته بالنظر في كتبهم، قد آل أمره إلى الحيرة والضلال والشك، فكيف بمن يأتي بعده، قال ابن رشد الحفيد في كتابه، تهافت التهافت:" ومن الذي قال في الإلهيات شيئاً يعتد به؟ " (١).

ومن هنا قال الإمام أبو حنيفة لما قيل له: "ما تقول فيما أحدث الناس من كلام في الأعراض والأجسام؟ فقال: مقالات الفلاسفة، عليك بالأثر وطريقة السلف، وإياك وكل محدثة، فإنها بدعة" (٢).

والناظر في كتب الفلاسفة ومقالاتهم، يجد أنهم في أصول الإيمان التي اتفقت عليها الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، أعظم الناس لها إنكارًا، فإن من علم حقيقة قولهم علم أنهم لم يؤمنوا بالله، ولا رسله، ولا كتبه، ولا ملائكته، ولا باليوم الآخر (٣).

ومن المواضع التي اضطربت فيها أقوال الفلاسفة، وكانت سبباً في تكفيرهم هو: إنكارهم حشر الأجساد، فقد قال الإمام الغزالي:" فأما ما يتعلق من هذا الجنس بأصول العقائد المهمة، فيجب تكفير من يغير الظاهر بغير برهان قاطع، كالذي ينكر حشر الأجساد، وينكر العقوبات الحسية في الآخرة بظنون وأوهام واستبعادات من غير برهان قاطع، فيجب تكفيره قطعاً، إذ لا برهان على استحالة رد الأرواح إلى الأجساد، ورد ذلك عظيم الضرر في الدين، فيجب تكفير كل من تعلق به، وهو مذهب أكثر الفلاسفة،" وقد ذكر الإمام ابن تيمية أن الإمام الغزالي قد جزم في هذا الموضع بكفر هؤلاء، وكفرهم كذلك قد جزم به سائر علماء المسلمين (٤).


(١) ابن أبي العز: شرح الطحاوية، وزارة الأوقاف السعودية، ط ١ ١٤١٨ هـ، ص (٢٧٦ - ٢٧٧).
(٢) ابن قدامة: ذم التأويل، الدار السلفية - الكويت، ط ١ ١٤٠٦ هـ، ص (٣٣).
(٣) ابن أبي العز: شرح الطحاوية، وزارة الأوقاف السعودية، ط ١ ١٤١٨ هـ، ص (٢٧٦ - ٢٧٧).
(٤) ابن تيمية: بغية المرتاد (٣٣٢)، ابن تيمية: الصفدية (٢/ ٣٢٦).

<<  <   >  >>