للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويتبين حقيقة قولهم في المعاد، في المطلب الثاني: ونخلص من هذا المطلب: أن الفلاسفة هم حكماء اليونان، وكل أمه من أهل الكتب المنزلة وغيرهم لهم حكماء بحسب دينهم، كما للهند المشركين حكماء، وكان الفرس المجوس حكماء، وحكماء المسلمين هم: أهل العلم بما بعث الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم -وأهل العمل به، فلما كان هذا أصل لفظ الفلسفة، صار هذا مطلقاً على كل من سلك سبيل أولئك اليونان واتبعهم في حكمتهم، ومتى ذُكرت هذه الحِكم على وجهها، ظهر فيها من الباطل ما ينفر عنها كل عاقل عرف دين الرسل عليهم الصلاة والسلام (١).

فالمقصود: أن الفلاسفة اسم جنس لمن يجب الحكمة ويؤثرها، وقد صار هذا الاسم في عرف كثير من الناس، مختصاً بمن خرج عن ديانات الأنبياء ولم يذهب إلا إلى ما يقتضيه العقل في زعمه، وأخص من ذلك أنه في عرف المتأخرين اسم لأتباع أرسطو، وهم المشاؤون خاصة، وهم الذين هذب ابن سينا طريقتهم وبسطها وقررها، وهي التي يعرفها، بل لا يعرف سواها المتأخرون من المتكلمين (٢).

وهنا يُشار إلى أن أساطين الفلاسفة ومتقدميهم، كانوا معظمين للرسل والشرائع، موجبين لاتباعهم، خاضعين لأقوالهم، معترفين بما جاؤوا به وراء طور العقل، وأن عقول الرسل وحكمتهم فوق عقول العالمين وحكمتهم، وكانوا لا يتكلمون في الإلهيات، ويسلمون باب الكلام فيها إلى الرسل، ويقولون: علومنا إنما هي: الرياضيات والطبيعيات وتوابعها، وكانوا يقرون بحدوث العالم، وإثبات الصانع، ومباينته للعالم، وأنه فوق العالم، وفوق السموات بذاته، كما حكاه عنهم أعلم الناس في زمانه بمقالاتهم، أبو الوليد بن رشد في كتابه (مناهج الأدلة) (٣).


(١) ابن تيمية: الصفدية، مكتبة ابن تيمية - مصر، ط ٢ - ١٤٠٦ هـ (٢/ ٣٢٥).
(٢) ابن القيم: إغاثة اللهفان، مكتبة المعارف - الرياض، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (٢/ ٢٥٧).
(٣) ابن القيم: إغاثة اللهفان، مكتبة المعارف - الرياض، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (٢/ ٢٥٧ - ٢٥٩ بتصرف)، ابن تيمية: منهاج السنة النبوية، جامعة الإمام محمد بن سعود، ط ١ ١٤٠٦ هـ (١/ ٣٦٤).

<<  <   >  >>