للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرد: أولا: اختلف المفسرون في تفسر الحياتين والموتتين، والذي عليه السلف وعلى رأسهم ابن مسعود وابن عباس رضي الله عنهم، وجماعة التابعين، وجمهور أهل التفسير كقتادة ومقاتل والفراء وثعلب والزجاج وابن قتيبة وابن الأنباري، ورجحه ابن الجوزي وابن كثير وغيرهم، أن معنى الآية: أن الموتة الأولى: كونهم نطفاً وعلقاً ومضغاً، فأحياهم في الأرحام، ثم يميتهم بعد خروجهم إلى الدنيا، ثم يحييهم للبعث يوم القيامة (١).

ثانيا: لا يلزم من عدم ذكر حياة القبر في هذه الآية ألاّ تكون حاصلة، فقد وردت في آيات أخرى تدل عليها.

ثالثا: يمكن قلب الدليل عليكم فيقال: إن الله تعالى ذكر حياة القبر في هذه الآية، لأن قوله في (يحييكم) ليس هو الحياة الدائمة، وإلا لِمَ صح أن يقول: (ثم إليه ترجعون) لأن كلمة (ثم) تقتضي التراخي والرجوع إلى الله تعالى حاصل عقب الحياة الدائمة من غير تراخ، فلو جعلنا الآية من هذا الوجه دليلاً على حياة القبر كان قريباً (٢).

ب. قال الله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)} [المؤمنون:١٥ - ١٦]. قال المنكرون: هذه الآية تدل على نفي عذاب القبر، لأنه قال: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (١٥) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)}، ولم يذكر بين الأمرين الإحياء في القبر والإماتة.

الرد: أولاً: أن معنى الآية الكريمة: أنه بعد هذه النشأة الأولى من العدم تصيرون إلى الموت {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (١٦)} يعني النشأة الآخرة فتحيون للجزاء (٣).


(١) ابن الجوزي: زاد المسير: (١/ ٤٩)، ابن كثير: تفسير القرآن العظيم: (١/ ٢١٣)، القرطبي: الجامع لأحكام القرآن: (١/ ٢٤٩)،ابن عطية: المحرر الوجيز: (١/ ١١٤).
(٢) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (٢/ ٣٧٧).
(٣) النسفي: مدارك التنزيل، دار الكلم الطيب - بيروت، ط ١ ١٤١٩ هـ (٢/ ٤٦٢).

<<  <   >  >>