للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانياً: أنه ليس في ذكر الحياتين نفي الثالثة، فقد ورد ذكرها والإشارة إليها في مواضع أخر، على أن قوله جل وعلى في الآية (ثم إنكم يوم القيامة تبعثون): فيه دلالة على حياة القبر، وذلك أن البعث هو الإطلاق، فكأنهم حبسوا مدة ثم أطلقوا (١).

وثالثاً: أن الغرض هو ذكر هذه الأجناس الثلاثة: الإنشاء، والإماتة، والإعادة، والذي تُرك ذكره فهو من جنس الإعادة (٢).

ج. قال الله تعالى {قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ (١١٢) قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ (١١٣)}: [المؤمنون:١١٢ - ١١٣]. قال المنكرون: قوله: {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ}: يتناول زمان كونهم أحياء فوق الأرض، وزمان كونهم أمواتاً في بطن الأرض، فلو كانوا معذبين في القبر لعلموا أن مدة مكثهم في الأرض طويلة، فما كانوا يقولون: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ}.

الرد: أولاً: معنى هذه الآية الكريمة: أن الله عز وجل قال لهؤلاء الأشقياء الذين كانوا يظنون أنهم لا يبعثون، وأن الدنيا باقية، {كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ} من الزمان بعد موتكم، فأجابوا وقالوا: {لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} فنسوا عظيم ما كانوا فيه من البلاء، وطول مكثهم في القبور في العذاب، لما حل عليهم من نقم الله في الآخرة، حتى ظنوا أنهم لم يلبثوا في البرزخ إلا يوماً أو بعض يوم (٣).

ثانيا: أن الجواب لا بد وأن يكون بحسب السؤال، وإنما سألوا عن موت لا حياة بعده إلا في الآخرة، وذلك لا يكون إلا بعد عذاب القبر.


(١) السمعاني: تفسير القرآن، دار الوطن - الرياض، ط ١ ١٤١٨ هـ (٣/ ٤٦٨).
(٢) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (٢٣/ ٢٦٧).
(٣) مكي بن أبي طالب: الهداية إلى بلوغ النهاية (٧/ ٥٠١٠)، الماوردي: النكت والعيون (٤/ ٦٩) البغوي: معالم التنزيل، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ١ ١٤٢٠ هـ، (٣/ ٣٧٧)

<<  <   >  >>