للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه: فما يقال: أنا نشاهد الميت كما كان لم يتغير، حتى لو كان على بطنه قدح من ماء لم يتغير عن حاله! يقال لهم: إن مثل هذه الاستبعادات لا يعول عليها، وهو مثل استبعاد الكفرة إحياء العظم البالية، وإعادة الخلق بعد إفنائهم , والله جل وعلا قادر على أن يبقى صورته على حاله، والماء على بطنه ويكون هو معذباً، كما أنا نشاهد الرجل به الوجع الشديد والألم العظيم وهو على صفته (١).

٤ - قال المنكرون: نحن نرى المصلوب على صلبه مدة طويلة، وهو لا يسأل ولا يحيى، وكذلك يشاهد الميت على سريره وهو لا يجيب سائلاً ولا يتحرك، ومن افترسته السباع ونهشته الطيور وتفرقت أجزاؤه في أجواف الطير وبطون الحيتان وحواصل الطير وأقاصي التخوم ومدارج الرياح فكيف تجتمع أجزاؤه؟ أم كيف تتألف أعضاؤه؟ وكيف تتصور مساءلة الملكين لمن هذا وصفه؟ أم كيف يصير القبر على من هذا حاله روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار؟

الرد: أولًا: لا يبعد أن تعاد الحياة إلى المصلوب، ونحن لا نشعر به، كما أنا نحسب المغمى عليه ميتاً، وكذلك صاحب السكتة وندفنه على حسبان الموت ومن تفرقت أجزاؤه، فلا يبعد أن يخلق الله الحياة في أجزائه ويعيده كما كان كما فعل سبحانه وتعالى بالرجل الذي أمر إذا مات أن يحرق ثم يسحق ثم يذرى حتى تنسفه الرياح، وفيه: "فَأَمَرَ اللهُ الْبَرَّ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، وَأَمَرَ الْبَحْرَ فَجَمَعَ مَا فِيهِ، ثُمَّ قَالَ: لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ خَشْيَتِكَ، أو قال: مخافتك" (٢).

ثانياً: يقال: ليس من شرط الحياة بنية مجتمعة، ولا جثة كبيرة، فإذا لم يكن كثر الجثة شرطاً، فالله تعالى يجمع منها جزءاً يعلمه، ويرد إلي الروح، ويتوجه إليه سؤال والعقاب، وليس ذلك بمستحيل.


(١) المتولي: الغنية في أصول الدين، المعهد الفرنسى للآثار الشرقيه, ١٩٨٦ - القاهرة، ص (٥٦)
(٢) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الرقائق، باب الخوف من الله ح (٦٤٨١) د، وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب التوبة، باب في سعة رحمة الله تعالى وأنها سبقت غضبه ح (٢٧٥٧).

<<  <   >  >>