أما تولده من الشبهة: فهو ما حكاه الله تعالى بقوله: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣)} [القيامة:٣]، وتقريره: أن الإنسان هو هذا البدن، فإذا مات تفرقت أجزاؤه واختلطت تلك الأجزاء بسائر أجزاء التراب، وتفرقت في مشارق الأرض ومغاربها، فكان تمييزها بعد ذلك عن غيرها محالاً، فكان البعث محالاً.
وهذه الشبهة ساقطة من وجهين:
الأول: لا نسلّم أن الإنسان هو البدن، فلِم لا يجوز أن يقال: هو شيء مدبر لهذا البدن، فإذا فسد االبدن بقي هو حيا كما كان، وحينئذ يكون الله تعالى قادراً على أن يرده إلى أي بدن شاء وأراد.
الثاني: إن سلمنا أن الإنسان هو هذا البدن، فلم قلتم: إنه بعد تفريق أجزائه لا يمكن جمعه مرة أخرى؟ وذلك لأنه تعالى عالم بجميع الجزئيات فيكون عالماً بالجزء الذي هو عمرو، وهو تعالى قادر على كل الممكنات وذلك التركيب من الممكنات، وإلا لما وجد أولاً، فيلزم أن يكون قادراً على تركيبها، ومتى ثبت كونه تعالى عالماً بجميع الجزئيات، قادر على جميع الممكنات، لا يبقى في المسألة إشكال.
وأما تولده من الشهوة: فهو الذي حكاه الله تعالى بقوله: {بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ (٥)} [القيامة:٥]، ومعناه: أن الإنسان الذي يميل طبعه إلى الاسترسال في الشهوات، والاستكثار من اللذات، لا يكاد يقر بالحشر والنشر وبعث الأموات؛ لئلا تتنغص عليه اللذات الجسمانية، فيكون أبداً منكراً لذلك، قائلاً على سبيل الهزء والسخرية: {أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ (٦)} (١).
(١) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (٣٠/ ٧٢٣)