للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو عبيد في تفسير هذا اللفظ:" فمعناه عندي: أنه أراد بقوله (بهما) يقول: ليس فيهم شيء من الأعراض والعاهات التي تكون في الدنيا من العمى والعور والعرج والجذام والبرص وغير ذلك، من صنوف الأمراض والبلاء، ولكنها أجساد مبهمة مصححة لخلود الأبد" (١).

وأما قوله: (عراة): وهو من لا ثوب له على جسده، وهذا صريح ما ورد في الأحاديث، وهو أن الخلائق تحشر عراة، يقول الإمام القرطبي: "والأخبار دالة ثابتة، على أن جميع الناس يخرجون عراة ويحشرون كذلك " (٢).

وقد عارض هذا الباب ما رواه أبو داود في سننه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، لما حضرته الوفاة دعا بثياب جدد فلبسها وقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول: «إِنَّ الْمَيِّتَ يُبْعَثُ فِي ثِيَابِهِ الَّتِي يَمُوتُ فِيهَا» (٣)، فذهب بعض العلماء بناء على هذا الحديث، إلى أنه يعاد خلق ثيابه له كما يعاد خلقه وذهب البعض إلى أن هذا القول خرج على المجاز (٤).

وأجاب العلماء عن هذا الحديث لمعارضته الأحاديث المتقدمة في بعث الناس حفاة عراة غرلا بأجوبة (٥):

١ - أنها تبلى بعد قيامهم من قبورهم، فإذا وافوا الموقف يكونون عراة ثم يلبسون من ثياب الجنة.

٢ - أنه إذا كسي الأنبياء ثم الصديقون ثم من بعدهم على مراتبهم فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه، ثم إذا ادخلوا الجنة لبسوا من ثياب الجنة.

٣ - أن ا لمراد بالثياب هاهنا: الأعمال، أي: يبعث في أعماله التي مات فيها من خير أو شر.


(١) ابن منظور: لسان العرب: (١٢/ ٥٩)، ابن الجوزي: التبصرة، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤٠٦ هـ، (٢/ ٢٢٩)، الأزهري: تهذيب اللغة: (٦/ ١٧٧).
(٢) القرطبي: التذكرة، دار المنهاج - الرياض، ط ١ ١٤١٥ هـ، ص (٤٤٩)
(٣) أخرجه أبو داود في سننه، كتاب الجنائز، باب ما يستحب من تطهير ثياب الميت عند الموت ح (٣١١٤).
(٤) ابن عبد البر: الاستذكار، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤٢١ هـ (٥/ ٩٨)
(٥) البيهقي: شعب الإيمان: ص (٥٤٩)، الخطابي: غريب الحديث ص (٦١٣)، المنذري: الترغيب: ... (٤/ ٢٠٥)، السيوطي: البدور الساخرة، ص (٥٣).

<<  <   >  >>