للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثاني: أن المراد من الموازين هاهنا جمع موزون، لا جمع ميزان، وأراد بالموازين: الأعمال الموزونة" (١).

والأقرب من القولين والأظهر منهما - والعلم عند الله تعالى - هو الثاني وهو أن الميزان واحد، لكنه متعدد باعتبار الموزون (٢).

(٣) هل توزن أعمال الكفار أم لا؟

ذكر الإمام ابن تيمية في الواسطية في مبحث الحساب قوله:" وأما الكفار فلا يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته، فإنه لا حسنات لهم، ولكن تعد أعمالهم فتحصى، فيوقفون عليها، ويقررون بها" (٣).

كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ظاهر في خلو الكفار من الحسنات، وعليه كيف يحاسبون محاسبة من توزن حسناته وسيئاته؟ إن شيخ الإسلام لا ينفي مطلق الوزن للكفار؛ لأنه صرح في موضع آخر، بأن الكفار توزن سيئاتهم لتظهر خفة موازينهم فقال:" وقد يراد بالحساب: وزن الحسنات بالسيئات ليتبين أيهما أرجح، فالكافر لا حسنات له توزن بسيئاته، إذ أعماله كلها حابطة، وإنما توزن لتظهر خفة موازينه لا لتبين رجحان حسنات له" (٤).

وقد استغرب الشيخ محمد رشيد رضا من كلام شيخ الإسلام السابق وأرجعه إلى وقوع السهو من الإمام فقال:" وهو سهو سببه - والله أعلم - ما كان علق بذهنه من هذا القول ثم طفق يرد عليه فقال:" وما من كافر إلا له حسنات، ولكن الكفر يحبطها فتكون هباء منثوراً، وهي تحصى مع السيئات وتضبط بالوزن الذي به يظهر مقدار الجزاء وتفاوتهم فيه، واستدلوا على تخفيف العذاب عن الكافر بسبب عمله الصالح بما ورد في الصحيح من التخفيف عن أبي طالب" (٥).

وبالنقل السابق عن شيخ الإسلام يظهر مراده.


(١) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (١٤/ ٢٠٣)
(٢) انظر: العثيمين: مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، دار الوطن، ١٤١٣ هـ (٤/ ٤٤)
(٣) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (٣/ ١٤٦)
(٤) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (٤/ ٤٨٧)
(٥) رشيد رضا: تفسير المنار، الهيئة العامة للكتاب - مصر، ١٩٩٧ م، (٨/ ٢٨٤)

<<  <   >  >>