للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذه الأحاديث الشريفة الصحيحة المنيفة، دلت على إثبات الحساب، إلا أن ظاهرها يوهم وجود تعارض في أولية الحساب، فبعضها يثبت أن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة الدماء، وبعضها الصلاة، وبعضها النعيم من صحة الجسد وشرب الماء البارد، ومع هذه الروايات المختلفة في الدلالة، إلا أن العلماء جمعوا بين ما يتوهم تعارضه بين تلك الروايات، وأجابوا عنها بأجوبة منها:

أن حديث: «أول ما يحاسب به العبد صلاته»: محمول على ما بين العبد وربه جل وعلا، وحديث: «أول ما يقضى بين الناس في الدماء»، محمول على ما بين العباد بعضهم البعض (١)، فاللفظ مخصوص بما يقع فيه الحكم بين الناس (٢).

يقول الحافظ ابن حجر في وجه الجمع بين الأحاديث:" الأول محمول على ما يتعلق بمعاملات الخلق، والثاني فيما يتعلق بعبادة الخالق، وقد جمع النسائي في روايته في حديث ابن مسعود بين الخبرين ولفظه: «أول ما يحاسب العبد عليه صلاته، وأول ما يقضي بين الناس في الدماء» ". (٣)

ويقول الإمام السيوطي:" والمعاصي التي يُعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حق لله، وحق لعباده، وأول ما يُقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله الصلاة ومن حقوق العباد الدماء" (٤).


(١) النووي: شرح مسلم،، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٢ - ١٣٩٢ هـ (١١/ ١٦٧).
(٢) ابن دقيق العيد: إحكام الأحكام، مطبعة السنة المحمدية، دون ذكر رقم الطبعة وتأريخها (٢/ ٢٢٠)
(٣) ابن حجر: فتح: (١١/ ٣٩٦)، العيني: عمدة القاري ا (٢٣/ ١١٢)
(٤) السيوطي: الحاوي للفتاوى، دار الفكر - بيروت ن ١٤٢٤ هـ (٢/ ٢٣١)

<<  <   >  >>