كتاب الإيمان باليوم الآخر وأثره على الفرد والمجتمع

المسألة الثانية: أدلة إثبات الحساب في الآخرة - ب - أدلة السنة في إثبات الحساب - ص: 460

ويقول العلامة علي القاري في وجه الجمع بين الحديثين: "قال الأبهري: وجه الجمع بين هذا، وبين قوله عليه الصلاة والسلام: «أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة الدماء»، أن الأول من حق الله تعالى والثاني: من حقوق العباد. ا. هـ، أو الأول من حق ترك العبادات، والثاني من فعل السيئات " (١)، ثم قال: "قلت: الأظهر أن يقال: لأن ذلك من المنهيات، وهذا في المأمورات، أو الأول في المحاسبة والثاني في الحكم " (٢).

وقال في وجه البدء بهذه بهاتين الخصلتين: " وحاصله: أن أول ما يحاسب العبد فيما بينه وبين ربه الصلاة؛ لفضلها على سائر العبادات، وأول ما يقضى من حقوق العباد قتل النفس؛ فإنه أكبر الخطيئات" (٣).

ويقول العلامة العثيمين:" أول ما يحاسب عليه العبد من الأعمال الصلاة وأول ما يقضى فيه بين الناس الدماء؛ لأن الصلاة أفضل العبادات البدنية والدماء أعظم ما يعتدى به في حقوق الآدميين" (٤).

ومع هذه الاستفاضة وهذا التواتر في أحاديث وأخبار الحساب، تَعجب ممن أنكر حساب الله جل وعز للخلائق يوم القيامة، وقد نقل جماعة من أهل العلم إنكار بعض الفرق للحساب (٥)، في حين أن الواجب في مثل هذه الأمور: الإيمان الجازم بمحاسبة الرب جل وعلا للخلائق يوم الدين، يقول الإمام الغزالي: " وأن يؤمن بالحساب، وتفاوت الخلق فيه إلى مناقش في الحساب وإلى مسامح فيه، وإلى من يدخل الجنة بغير حساب، وهم المقربون فيسأل الله تعالى من شاء من الأنبياء عن تبليغ الرسالة، ومن شاء من الكفار عن تكذيب الرسل، ويسأل المبتدعة عن السنة، ويسأل المسلمين عن الأعمال " (٦).

---

(١) القاري: مرقاة المفاتيح، دار الفكر - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (٣/ ٩٩٧)
(٢) القاري: مرقاة المفاتيح، دار الفكر - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (٦/ ٢٢٥٩)
(٣) القاري: مرقاة المفاتيح، دار الفكر - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (٨/ ٣١٣٠)
(٤) العثيمين: مجموع فتاوى ورسائل العثيمين، دار الوطن، ١٤١٣ هـ (٨/ ٥١٥).
(٥) غالب عواجي: الحياة الآخرة، دار لينة- مصر، ط ١ ١٤١٧ هـ (٢/ ١٠٦١).
(٦) الغزالي: بداية الهداية، دار المنهاج - جدة، ط ١ ١٤٢٥ هـ، ص (٢٨٥).