للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٣ - قالوا: معلوم أن الدار الآخرة دار العدل والجزاء واستيفاء الحقوق فإذا أسقطت الذنوب، وأزيلت العقوبات بالشفاعات كان في ذلك استمرار لأهل الباطل في ذنوبهم، ثم يتكلون على الشفاعة، فيؤدي ذلك إلى فساد عظيم، مع الخروج عن حقيقة الجزاء والعدل، ورد المظالم، وهذا غير جائز.

أجيب: بأن الآخرة كما هي دار عدل وجزاء، فهي دار فضل وإنعام، ومن الإنعام أن تقبل شفاعة الشافعين في المذنبين، والعفو والمغفرة لا ينافي العدل من جهة أنه إسقاط حق. وإذا كان العفو محموداً في حق العباد، وفيه الفضل والإحسان في كونه فقيراً إلى عوضه، فالله تعالى الغني، أولى بالمحامد والمدائح، مع غنائه وفضله.

والخلاصة: أن الذي عليه سلف الأمة وأئمتها ومن تبعهم من أهل السنة والجماعة إثبات ما جاءت به السنة الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من شفاعته لأهل الكبائر من أمته، وغير ذلك من أنواع شفاعاته، وشفاعة غيره من النبيين، والملائكة (١).

وقال الإمام القرطبي: "وأما مذهب أهل السنة الذين جمعوا بين الكتاب والسنة، فإن الشفاعة تنفع العصاة من أهل الملة، حتى لا يبقى منهم أحد إلا دخل الجنة" (٢).

المسألة الخامسة: بيان فضل الله تعالى، وكمال عدله:

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - في الواسطية -:" ويخرج الله من النار أقواماً بغير شفاعة، بل بفضله ورحمته، ويبقى في الجنة فضل عمن دخلها من أهل الدنيا، فينشئ لها أقواماً فيدخلهم الجنة" (٣).

اشتمل كلام الإمام ابن تيمية على قضيتين:


(١) ابن تيمية: اقتضاء الصراط المستقيم، دار عالم الكتب - بيروت، ط ٧ ١٤١٩ هـ (٢/ ٣٦٠)
(٢) القرطبي: التذكرة، مكتبة دار المنهاج - الرياض، ط ١ ١٤٢٥ هـ، ص (٧٧٦)
(٣) ابن تيمية: مجموع الفتاوى، مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف - المدينة النبوية (٣/ ١٤٨)

<<  <   >  >>