للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ونشأ عن قولهم هذا القول: بوجوب الثواب، ولزوم العقاب على الله تعالى (١).

فالعجب من هؤلاء وأمثالهم، أنهم قدموا عقولهم على النصوص الشرعية ثم احتجوا على باطلهم بنصوص من المتشابه، ولو أحسنوا لأخذوا بالمحكم البيّن الواضح، وأعرضوا عن المتشابه، ومما استدلوا به (٢):

١ - قوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ (١٨)} [غافر:١٨]، قالوا: نفى الشفاعة عن الظالمين، والعاصي ظالم.

وأجيب: بأن المراد بالظالمين هنا: الكفار، وهؤلاء لا تلحقهم الشفاعة والله جل وعلا قد يسمي الكافر ظالماً كما في قوله تعالى: {لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٤٥)} [المائدة:٤٥]، وكذا احتجوا بالنصوص التي اشتملت على نفي الشفاعة، ويجاب عنها: إما بأنها لا تنفع المشركين، أو المقصود نفي الشفاعة التي أثبتها أهل الشرك ومن شابههم.

٢ - واحتجوا بما أخرجه مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا «(٣).

قالوا: هذا ذنب من فروع الإيمان وهو مخلد به، فلو كانت الشفاعة جائزة لكانت في حق هذا.

وأجيب عنه: بأن هذا محمول على من قتل نفسه مستحلاً لذلك، ومن استحل قتل نفسه، كفر بذلك، وخُلد في النار، ولا تنفعه الشفاعة.

وقيل: المراد بالخلود: طول المدة والإقامة المتطاولة، لا حقيقة الدوام، كما يقال: خلد الله ملك السلطان، وقيل: إن هذا جزاؤه، ولكن الله جل وعز أخبر أنه لا يخلد في النار من مات مسلماً.


(١) الآمدي: غاية المرام، الناشر: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية - القاهرة،: (١/ ٣٠٦).
(٢) انظر: ابن بطال: شرح صحيح البخاري: (١٠/ ٤٣٩)، محمد الطبري: الإيضاح في أصول الدين: ص (٣٨٦)، ابن حزم: الفصل: (٤/ ٦٥)، السفاريني: لوامع الأنوار: (٢/ ٢١٧).
(٣) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب غلظ تحريم قتل النفس ح (١٠٩).

<<  <   >  >>