للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: « ... فَيَشْفَعُ النَّبِيُّونَ وَالمَلَائِكَةُ وَالمُؤْمِنُونَ، فَيَقُولُ الجَبَّارُ: بَقِيَتْ شَفَاعَتِي، فَيَقْبِضُ قَبْضَةً مِنَ النَّارِ، فَيُخْرِجُ أَقْوَامًا قَدْ امْتُحِشُوا، فَيُلْقَوْنَ فِي نَهَرٍ بِأَفْوَاهِ الجَنَّةِ، يُقَالُ لَهُ: مَاءُ الحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ فِي حَافَتَيْهِ كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، قَدْ رَأَيْتُمُوهَا إِلَى جَانِبِ الصَّخْرَةِ، وَإِلَى جَانِبِ الشَّجَرَةِ، فَمَا كَانَ إِلَى الشَّمْسِ مِنْهَا كَانَ أَخْضَرَ وَمَا كَانَ مِنْهَا إِلَى الظِّلِّ كَانَ أَبْيَضَ، فَيَخْرُجُونَ كَأَنَّهُمُ اللُّؤْلُؤُ، فَيُجْعَلُ فِي رِقَابِهِمُ الخَوَاتِيمُ، فَيَدْخُلُونَ الجَنَّةَ، فَيَقُولُ أَهْلُ الجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلَهُ مَعَهُ» (١).

يقول الإمام ابن رجب:"والمراد بقوله: «لم يعملوا خيراً قط»: من أعمال الجوارح، وإن كان أصل التوحيد معهم، ولهذا جاء في حديث الذي أمر أهله أن يحرقوه بعد موته بالنار، إنه لم يعمل خيراً قط غير التوحيد، ويشهد لهذا ما في حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -في حديث الشفاعة، قال: «فأقول: يارب ائذن لي فيمن يقول: لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي: لأخرجن من النار من قال: لا إله إلا الله». خرجاه في الصحيحين وعند مسلم: فيقول: «ليس ذلك لك أو ليس ذلك إليك» وهذا يدل على أن الذين يخرجهم الله برحمته من غير شفاعة مخلوق، هم أهل كلمة التوحيد، الذين لم يعملوا معها خيراً قط بجوارحهم" (٢).


(١) أخرجه البخاري كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ح (٧٤٣٩).
(٢) ابن رجب: التخويف من النار، دار البيان - بيروت، ط ٢ - ١٤٠٩ هـ، ص (٢٥٦)

<<  <   >  >>