للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال بعضهم: ينشئ للنار خلقاً، يريد من قد شاء أن يلقى فيها، ممن قد سبق له الشقاء، ممن عصاه وكفر به.

والصحيح ما ذُكر من انقلاب الحديث على الراوي، حتى يوافق ما ثبت في النصوص الشرعية، من كمال عدل الله ورحمته، وأنه سبحانه جل في علاه لا يظلم أحداً.

والعجيب أن الإمام ابن بطال نقل عن المهلب احتجاجه بهذا الأثر على: أن لله جل وعلا، أن يعذب من لم يكلفه عبادته في الدنيا، ولا يخرجه إليها لقوله: {وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ (٢٧)} [إبراهيم:٢٧]، قال: بخلاف من يقول: إن الله لو عذب من لم يكلفه لكان ظالماً، وهذا الحديث حجة عليهم (١).

ورد عليه الحافظ ابن حجر فقال:" وهو عندهم من جهة الجواز، وأما الوقوع ففيه نظر، وليس في الحديث حجة؛ للاختلاف في لفظه ولقبوله التأويل" (٢).

والصحيح الموافق لصحيح المنقول والمعقول ما ذكره الإمام ابن تيمية:" أنه لم يثبت بدليل يعتمد عليه، أن الله يعذب في الآخرة من لم يذنب، ودلائل القرآن والسنة يدلان على نقيض هذا القول، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لكن هذا مما عُلم أنه لا يشاؤه بالأخبار الصادقة، وبموجب كلمته وبمقتضى أسمائه الحسنى، وصفاته العلى، كما أنه قد علم أنه لا يخرج أهل الجنة منها، بل خالدون فيها أبداً، وأنها لا تفنى أبداً، وعُلم أنه لا يخلّد في النار من في قلبه ذرة من إيمان، كما أخبرت بذلك النصوص، وهو سبحانه لو عذب أهل سماواته وأرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته خيراً لهم من أعمالهم، لكن قد علم أنه لا يعذب المتقين، ولا يسويهم بالفجار المذنبين" (٣).


(١) ابن بطال: شرح صحيح البخاري، مكتبة الرشد - الرياض، ط ٢ - ١٤٢٣ هـ (١٠/ ٤٧٢)
(٢) ابن حجر: فتح الباري (١٣/ ٤٣٦)، انظر: القاري: مرقاة المفاتيح (٩/ ٣٦٢٩ - ٣٦٣٠)
(٣) ابن تيمية: الرد على الشاذلي ص (٨١)، وانظر: ابن تيمية: النبوات: (١/ ٤٨٦)

<<  <   >  >>