للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد" ذكر الله في هذه السورة الكريمة، أول حالة الإنسان، ومبتدأها ومتوسطها، ومنتهاها، فذكر أنه مرّ عليه دهر طويل، وهو الذي قبل وجوده وهو معدوم، بل ليس مذكوراً، ثم لما أراد الله تعالى خلقه خلق أباه من طين ثم جعل نسله متسلسلاً (من نطفة أمشاج) أي: ماء مهين مستقذر (نبتليه) بذلك لنعلم هل يرى حاله الأولى ويتفطن لها، أم ينساها وتغره نفسه؟ فأنشأه الله، وخلق له القوى الباطنة والظاهرة، كالسمع، والبصر، وسائر الأعضاء، فأتمها له، وجعلها سالمة؛ ليتمكن بها من تحصيل مقاصده، ثم أرسل إليه الرسل، وأنزل عليه الكتب، وهداه الطريق الموصلة إلى الله ورغبة فيها، وأخبره بماله عند الوصول إلى الله، ثم أخبره بالطريق الموصلة إلى الهلاك ورهبه منها، وأخبره بماله إذا سلكها، وابتلاه بذلك، فانقسم ... الناس إلى شاكر لنعمة الله عليه، قائم بما حمله الله من حقوقه، وإلى كفور لنعمة الله عليه" (١).

والمتتبع لسور القرآن الكريم، وأحاديث النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، يجد أكبر أوجه التكريم لهذا المخلوق العظيم عند الله تعالى فالإنسان مخلوق مكرّم، وقد تناول القرآن الكريم هذا التكريم في مناسبات عدة، وبأساليب متنوعة، كلها تُعطي دلالة أكيدة، لمركز هذا الكائن ومسئولية في الحياة (٢).

ومن الآيات الكريمة التي قررت مبدأ التكريم للبشرية على حد سواء قوله جل في علاه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا (٧٠)} [الإسراء:٧٠].


(١) السعدي: تفسير الكريم الرحمن، مؤسسة الرسالة، ط ١ ١٤٢٠ هـ، ص (٩٠٠)
(٢) أبو اليزيد العجمي: حقيقة الإنسان بين القرآن وتصور العلوم، دورية دعوة الحق، العدد (٢٢) ١٤٠٤ هـ، ص (٦٨).

<<  <   >  >>