للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن العجيب، أن الرب سبحانه وتعالى قال في مفتتح هذه الآية: (ولقد كرمنا) فنسب التكريم إليه، وهذا تشريف وتكريم من نوع خاص لهذا المخلوق العجيب، وقال: {كَرَّمْنَا} ولم يقل: أكرمنا؛ لأنها أشد مبالغة من الأخرى (١)، وهذه دلالة واضحة على كمال التكريم.

وقال جل وعلا في الآية: {كَرَّمْنَا}، من الكرم الذي هو ضد اللؤم، والله جل وعلا هو الكريم، كثير الخير، الجواد المنعم المتفضل، هو اسم جامع لكل ما يحمد، فالله كريم حميد الفعال (٢). فما يُعطى لهذا المخلوق، إنما هو من كرم الكريم، ومن كرمه جل وعلا قال: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} فهو تكريم شامل، يقول العلامة أبو السعود في هذه الآية: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}: ... قاطبة، تكريماً شاملاً، لبرهم وفاجرهم" (٣).

وأورد بعضهم في المقام إيراداً مفاده: كيف أطلق ذكر الكرامة على الكل، وفيهم الكافر المهان؟

واُجيب عنه من وجهين (٤):

أحدهما: أنه عامل الكل معاملة المكرم بالنعم الوافرة.

والثاني: أنه لما كان فيهم من هو بهذه الصفة، أجرى الصفة على جماعتهم، كقوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:١١٠]، ويشهد للأول قول إبراهيم لما دعا للمؤمنين خاصة: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦)} [البقرة:١٢٦].


(١) ابن الجوزي: زاد المسير، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (٣/ ٣٩).
(٢) الأزهري: تهذيب اللغة: (١٠/ ١٣٢)، ابن منظور، لسان العرب: (١٢/ ٥١٠).
(٣) أبو السعود: إرشاد العقل السليم: (٥/ ١٨٦) ,
(٤) ابن الجوزي: زاد المسير، دار الكتاب العربي - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (٣/ ٣٩).

<<  <   >  >>