للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إذا عُلم أن السمعيات هي: أدلة الشرع التي لا مدخل للعقل فيها، فلا يدل ذلك على تنافيها مع العقل، أو تناقضها معه، بل " الأدلة السمعية التي جاءت بها الأنبياء لا تتناقض، وكذلك الأدلة الصحيحة العقلية، ولا تتناقض السمعيات والعقليات " (١)، وشرط صحة عدم التناقض: أن يكون الدليل النقلي صحيحا، وأن يكون الدليل العقلي صريحا، " والعقل الصريح: هو الخالي من الشبهات والشهوات، والنقل الصحيح: هو السالم من العلل والقوادح " (٢)، ولذا قال الإمام ابن تيمية: " وهذا الموضع غلط فيه طائفتان من الناس: غالية غلت في المعقولات، حتى جعلت ما ليس معقولا من المعقول، وقدمته على الحس ونصوص الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وطائفة جفت عنه فردت المعقولات الصريحة، وقدمت عليها ما ظنته من السمعيات والحسيات، وهكذا الناس في السمعيات نوعان، وكذلك هم في الحسيات الباطنة والظاهرة نوعان. فيجب ان يُعلم أن الحق لا ينقض بعضه بعضا، بل يصدق بعضه بعضا، وأن ما عُلم بمعقول صريح، لا يخالفه قط خبر صحيح، ولا حس صحيح. وكذلك ما عُلم بالسمع الصحيح، لا يعارضه عقل وحس وكذلك ما عُلم بالحس الصحيح، لا يناقضه خبر ولا معقول " (٣).

وقد انبرى بعض المتكلمين حين أعيتهم الحيلة، للجمع بين نصوص الشرع الصحيحة، ومؤيدات العقل الصريحة، وحين لم يُسلموا لظواهر نصوص الشرع المطهر، فسنوا قانونا زعموا أنه كلي يُرجع إليه حين تتعارض النصوص النقلية مع العقل، وجعلوها من المتشابهات.

ونحن حين نعتقد، أنه لا يمكن أن يتعارض عقل صريح ونقل صحيح كما قال علماء أهل السنة، " فلا يُتصور أن يتعارض عقل صريح، ونقل صحيح أبدا " (٤)، نجد أن بعض علماء الكلام أطروا وسطروا قوانينهم التي يظنون أنها مؤيدة للعقل، والعقل منها براء.


(١) ابن تيمية: مجموع الفتاوى: (٦/ ٣٠٢).
(٢) الحمد: الإيمان باليوم الآخر: ص (١٨).
(٣) ابن تيمية: الجواب الصحيح: ص (٤/ ٣٩٤).
(٤) ابن أبي العز: شرح الطحاوية: ص (١٦٦).

<<  <   >  >>