للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن القوانين التي سطروها، ما ذكره الرازي في كتابه (أساس التقديس) من القانون الذي ظن أنه المرجوع إليه في جميع المتشابهات. ويُعرف هذا القانون بقانون التأويل؛ لزعمه أن الدلائل السمعية متوقفة على الأصول العقلية. (١) قال الرازي في بيان هذا القانون: " اعلم أن الدلائل القطعية العقلية، إذا قامت على ثبوث شيء، ثم وجدنا أدلة نقلية يشعر ظاهرها بخلاف ذلك فهناك لا يخلو الحال من أحد أمور أربعة: إما أن يصدق مقتضى العقل والنقل فيلزم تصديق النقيضين وهو محال.

وإما أن يبطل، فيلزم تكذيب النقيضين وهو محال.

وإما أن يصدق الظواهر النقلية، ويكذب الظواهر العقلية، وذلك باطل ... لأنه لا يمكننا أن نعرف صحة الظواهر النقلية، إلا إذا عرفنا بالدلائل العقلية إثبات الصانع وصفاته، وكيفية دلالة المعجزة على صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - وظهور المعجزات على محمد - صلى الله عليه وسلم -ولو جوزنا القدح في الدلائل العقلية القطعية، صار العقل متهما غير مقبول القول، ولو كان كذلك لخرج أن يكون مقبول القول في هذه الأصول، وإذا لم نثبت هذه الأصول خرجت الدلائل النقلية عن كونها مفيدة، فثبت أن القدح لتصحيح النقل يفضي إلى القدح في العقل والنقل معا، وإنه باطل. ولما بطلت الأقسام الأربعة لم يبق إلا أن يقطع بمقتضى الدلائل العقلية القاطعة، بأن هذه الدلائل النقلية إما أن يقال: إنها غير صحيحة، أو يقال إنها صحيحة إلا أن المراد منها غير ظواهرها. ثم إن جوزنا التأويل واشتغلنا على سبيل التبرع بذكر تلك التأويلات على التفصيل، وإن لم يجز التأويل فوضنا العلم بها إلى الله تعالى. فهذا هو القانون الكلي المرجوع إليه في جميع المتشابهات. وبالله التوفيق " (٢).

هذا هو القانون الذي ألغوا به الكثير من نصوص الوحيين؛ لأن نتيجة التعارض الموهوم لديهم، أنه متى حصل التعارض بين العقل والنقل والعقل أصل النقل، وجب تقديم العقل عليه، وحينها يكون الموقف من النصوص المعارضة له إما: الرد، أو التأويل، أو التفويض.


(١) أحمد عبداللطيف: شرح الرسالة التدمرية: ص (٤٤٥).
(٢) الرازي: أساس التقديس: ص (١٣٠).

<<  <   >  >>