للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي هذا النص القرآني، نلحظ جليا كيف أنه يتغلغل في أعماق النفس البشرية، فيقومها، ويربيها، ويهذبها على معالي الأمور، والبعد عن سفاسفها ويقمع هوى النفس الأمارة بالسوء، ويكبح جماحها، ولذا جاء التهديد شديداً، في مثل هذا العمل الشنيع.

ب) يقول جل وعلا: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (٣٦)} [الإسراء:٣٦].

اختلف المفسرون في معنى قوله: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (١):

- فقيل: المعنى: لا ترم أحداً بما ليس لّك به علم.

- وقيل: المعنى: لا تقل رأيت ولم تر , ولا سمعت ولم تسمع.

- وقيل: المعنى: لا تشهد بالزور.

- وقيل: لا تشرك بالله تعالى.

يقول الإمام الرازي:" {وَلَا تَقْفُ} أي: ولا تتبع ولا تقتف ما لا علم لك به، من قول أو فعل، وحاصله يرجع إلى النهي عن الحكم بما لا يكون معلوماً، وهذه قضية كلية يندرج تحتها أنواع كثيرة، وكل واحد من المفسرين حمله على واحد من تلك الأنواع، وفيه وجوه:

الوجه الأول: المراد: نهي المشركين عن المذاهب التي يعتقدونها في الإلهيات والنبوات بسبب تقليد أسلافهم.

والقول الثاني: المراد منه: شهادة الزور، قال ابن عباس: لا تشهد إلا بما رأته عيناك، وسمعته أذناك، ووعاه قلبك.

والقول الثالث: المراد منه: النهي عن القذف، ورمي المحصنين والمحصنات بالأكاذيب.

والقول الرابع: المراد منه: النهي عن الكذب، قال قتادة: لا تقل: سمعت ولم تسمع، ورأيت ولم تر، وعلمت ولم تعلم.

والقول الخامس: أن القفو أصله البهت، وهو في معنى الغيبة، وهو ذكر الرجل في غيبته بما يسوءه. واعلم أن اللفظ عام يتناول الكل " (٢).


(١) ابن الجوزي: زاد المسير (٣/ ٢٤)، ابن أبي حاتم: تفسير أبن أبي حاتم: (٧/ ٢٣٣١)، الطبري: جامع البيان، مؤسسة الرسالة، ط ١ ١٤٢٠ هـ، ت: أحمد محمد شاكر، ص (١٧/ ٤٤٦).
(٢) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (٢٠/ ٣٣٩).

<<  <   >  >>