للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيظهر أثر الإخلاص في صلاته، وزكاته، وصومه، وحجه، وسمته وخلقه، وفي جميع تعاملاته، فيؤدي ما اؤتمن عليه على أكمل وجه؛ لأن هذا مقتضى الإخلاص، الذي يدعو صاحبه إلى الأمانة والنزاهة. فالإخلاص هو حقيقة الإسلام، يقول شيخ الإسلام:" وأما الإخلاص فهو حقيقة الإسلام إذ الإسلام هو الاستسلام لله لا لغيره" (١).

ولما كان الإخلاص من أجل أعمال القلوب، وأعلاها منزلة ومقاماً، به تزكو النفس ولا تستغني عنه، أوجبه الله تعالى في كتابه، ولذا قال الإمام عبد الله بن أبي جمرة:" وددت أنه لو كان من الفقهاء، من ليس له شغل، إلا أن يعلم الناس مقاصدهم في أعمالهم، ويقعد إلى التدريس في أعمال النيات ليس إلا، فإنه ما أتى على كثير من الناس إلا من تضييع النيات" (٢)، وكانت تقول رقية الموصلية العابدة:" تفقهوا في مذاهب الإخلاص، ولا تفقهوا فيما يؤديكم إلى الركوب على القلاص" (٣).

وقد ذكر أرباب المعارف، أن الإخلاص أصل كل حال، فعنه يتشعب اليقين والخوف، والمحبة والإجلال، والحياء والتعظيم، وهذه كلها معانٍ قلبية لا تكون إلا لله جل وعلا، فمن هنا لا يسمى المخلص مخلصاً، حتى يفرد الله عز وجل عن الأشباه والأنداد، والصاحبة والولد، ثم إقامة التوحيد، وجمع الهم له وبه، في النفل والفرض (٤)، ولذا قال الشيخ أبو عبد الرحمن السلمي في وصيته:" والزم الإخلاص في جميع أفعالك، وطاعتك وتصرفاتك؛ لأن الله تعالى يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (٥)} [البينة:٥] " (٥).


(١) ابن تيمية: أمراض القلوب وشفاؤها، المطبعة السلفية - القاهرة، ط ٢ - ١٣٩٩ هـ، ص (٤١)
(٢) ابن الحاج: المدخل، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ١ ١٤١٥ هـ، (١/ ٦)
(٣) ابن الجوزي: صفة الصفوة، دار الحديث - القاهرة، ١٤٢١ هـ (٢/ ٣٥٨)
(٤) الحارث المحاسبي: رسالة المسترشدين، مكتب المطبوعات الإسلامية ص (١٧٠ - ١٧٥).
(٥) أبو عبد الرحمن السلمي: الوصية، مكتبة الصحابة - طنطا: ص (٤٤).

<<  <   >  >>