للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال العلامة القاري معلقاً على كلام النووي:" قلت: لو لم يكن إلا حديث واحد، وهو (سبقت أو غلبت رحمتي على غضبي) لكفى دليلاً على ترجيح الرجاء، ويعضده آية {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:١٥٦]، بل هو أمر مشاهد في عالم الوجود، من غلبة آثار الرجاء على آثار الخوف " (١).

وقال الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً} [الأعراف:٢٠٥]: "إلا أن هنا دقيقة: وهي أن سماع لفظ الرب يوجب الرجاء، وسماع لفظ التضرع والخيفة يوجب الخوف، فلما وضع الابتداء بما يوجب الرجاء، علمنا أن جانب الرجاء أقوى" (٢).

وقال العلامة الكرماني في شرحه لحديث البخاري: (أنا عند ظن عبدي بي) (٣): "وفي السياق إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف "، قال الحافظ ابن حجر تعليقاً:" وكأنه أخذه من جهة التسوية، فإن العاقل إذا سمع ذلك لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد، وهو جانب الخوف؛ لأنه لا يختاره لنفسه، بل يعدل إلى ظن وقوع الوعد، وهو جانب الرجاء، وهو كما قال أهل التحقيق: مقيد بالمحتضر" (٤).

وذهب الفضيل بن عياض وجماعة، إلى أن الخوف أفضل، قال الفضيل:" الخوف أفضل من الرجاء، ما كان الرجل صحيحاً، فإذا نزل الموت فالرجاء أفضل" (٥).

ومن كلام الفضيل ننتقل للمسألة الثانية: وهي أي المقامين أحق بالتقديم؟ والعلماء مختلفون في هذه المسألة على أقوال:

فقيل: بأن مقام الخوف أفضل في حال الصحة والحياة، فإذا حضر الموت فالرجاء أفضل (٦).


(١) القاري: مرقاة المفاتيح، دار الفكر - بيروت، ط ١ ١٤٢٢ هـ (٤/ ١٤٦٠)
(٢) الرازي: مفاتيح الغيب، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٣ ١٤٢٠ هـ (١٥/ ٤٤٣)
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى (ويحذركم الله نفسه) ح (٧٤٠٥).
(٤) ابن حجر: فتح الباري، دار المعرفة - بيروت، ١٣٧٩ هـ (١٣/ ٣٨٥)
(٥) ابن رجب: تفسير ابن رجب: (٢/ ٣٢٨)، ابن عطية: المحرر الوجيز: ط ١ ١٤٢٢ هـ (٢/ ٤١١)
(٦) أبو طالب المكي: قوت القلوب، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ٢ - ١٤٢٦ هـ (١/ ٣٦٦).

<<  <   >  >>