للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقيل: بأن مقام الخوف والرجاء في حال الصحة مستويان، فيكون خوفه ورجاؤه سواء، وفي حال المرض يمحض الرجاء، واختاره الإمام النووي (١). وقال في سبب تغليب جانب الرجاء، متى دنت أمارات الموت: "لأن مقصود الخوف؛ الإنكفاف عن المعاصي والقبائح، والحرص على الإكثار من الطاعات والأعمال، وقد تعذر ذلك أو معظمه في هذا الحال، فاستحب إحسان الظن المتضمن للافتقار إلى الله تعالى، والإذعان له" (٢).

واستدل الإمام العراقي بحديث الرجل الذي قال لأهله: (إذا أنا مت فأحرقوني .. ثم قال: لم فعلت ذلك؟ قال: من خشيتك يارب وأنت أعلم قال فغفر له) , على أنه لا ضرر في غلبة الخوف , وإن كانت بقرب الوفاة، ثم قال: "إن كان العلماء رجحوا في تلك الحالة، تغليب جانب الرجاء، على جانب الخوف" (٣).

وقال إمام ابن الوزير: " والجمع بين الخوف والرجاء سنة الله، وسنة رسله عليهم السلام، وسنة دين الإسلام، والأولى للإنسان تغليب الخوف في حق نفسه، إلا عند اقتراب الأجل الاقتراب الخاص، أعني عند ظهور أمارات الموت في المرض الشديد، وإلا فالموت قريب غير بعيد، وذلك لما صح أن الله تعالى يقول: «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي، فَلْيَظُنَّ بِي مَا شَاء»، ولهذا الحديث لم يكن تقديم عمومات الوعيد، أولى من تقديم خصوص آيات الرجاء وأحاديثه " (٤).


(١) النووي: رياض الصالحين، المكتب الإسلامي - بيروت: ص (١٤٦).
(٢) النووي: شرح مسلم، دار إحياء التراث العربي - بيروت، ط ٢ - ١٣٩٢ هـ (١٧/ ٢١٠).
(٣) العراقي: طرح التثريب، مكتبة الباز - مكة، ط ١ ١٤٢٤ هـ (٣/ ٢٧٠).
(٤) ابن الوزير: إيثار الحق على الخلق، دار الكتب العلمية - بيروت، ط ٢ - ١٩٨٧ م، ص (٣٥٥).

<<  <   >  >>